قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة: إن حكمة الله تعالى اقتضت حفظ العنصر البشري، وبقاء الجنس الإنساني، فالإنسان خليفة الله في أرضه لإعمارها وبنائها وتطويرها وإصلاحها، فشرع الله بحكمته الأزلية ما ينظم العلاقة بين الذكر والأنثى، فشرع لهم النكاح، وسن لهم الزواج، بأحكامه وآدابه، فالزواج ضرورة مجتمعية لبناء الحياة، وتكوين البيوتات، وقيام الأسر، وعلى المستوى الفردي فإن مع الزواج تكون استقامة الحال، وراحة الضمير، وهدوء البال، كما أنه أمر تقتضيه الفطرة السوية قبل أن تحث عليه الشريعة الغراء، فهو حصانة للشباب والشابات، وسكن وأنس وابتهاج وسرور، وتأملوا معي في هذا الرباط الأسري كم خفف من هموم، وأزال من غموم، وفتح أبواب الرزق والبركة، والتعاون على أعباء الحياة الاجتماعية. وعلى المستوى المجتمعي، فالزواج فتح أبواب التواصل، به تتعارف القبائل والعشائر والعائلات، وتقوى أواصر المحبة وروابط المعرفة، ويكفيه أنه آية من آيات الله، قال تعالى، «ومِنْ آيَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الروم: 21]، وجاء عن رسول الله «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» [متفق عليه من حديث ابن مسعود]، وقال «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» [أبو داود والنسائي وغيرهما]. يقول عمر بن الخطاب لقبيصة: «ما يمنعك عن الزواج إلا عجز أو فجور»، ويقول الإمام أحمد: «ليست العزوبة من الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام». تلك مكانة الزواج وآثاره، فما بال الناس اليوم وهي تشكو وتتبرم؟ وما بال المشكلات الاجتماعية تزداد وتتفاقم بسبب ما يلحق بالزواج من تعقيدات وصعوبات؟ ناهيكم عن المغالاة في المهور والحفلات والشكليات، والتفاخر والمباهاة، والإغراق في الكماليات. المتأمل في أحوال الشباب اليوم، وإقبالهم على الزواج يرى أن هناك عوائق تقف في طريقهم، وهناك حواجز تمنعهم من المضي في بناء بيت الزوجية، فالشباب عاجزون عن الزواج لعدم قدرتهم على توفير المهور وتكاليف الخطوبة والزواج، وهم لا يزالون يصطلون بنار الشهوة، والفتيات عوانس في بيوتهن وفي المجتمعات وأماكن أخرى يعلمها كل لبيب!! فالشريعة الغراء قد جاءت بتيسير أمور الزواج، فقد روى الإمام أحمد من حديث عائشة أن رسول الله قال: «إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة»، وتأملوا معي -عباد الله- في ظاهرة العنوسة، فالمجتمع اليوم يعاني من عنوسة بين الشباب والشابات، وذلك بسبب تعلقهم ببعض الأوهام، مثل قول بعضهم ان الزواج لا يكون إلا بعد الثلاثين، وإن الفرد منهم يجب أن يكوّن نفسه ويبنيها، وأن يستمتع بحياته وحيداً، وهي -والله- أوهام وخيالات ومثاليات ليس لها من الواقع شيء، بل هي في الحقيقة من وساوس الشيطان، كأن يتذرع بتكملة دراسته أو بناء بيت الزوجية أو الحصول على سيارة فارهة، والحال كذلك للفتاة، ماذا تنفعها الشهادة الجامعية إذا بقيت عانساً وفاتها قطار الزواج، فلم تسعد بزوج ولا بأولاد حتى ذهبت نضارتها، وذبلت زهرتها؟! إن ظاهرة عنوسة الشباب والشابات في المجتمع لها مضار خطيرة، لا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوافرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والفساد الأخلاقي إلا بالزواج الشرعي، وصدّيق هذه الأمة يقول: (أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى)، ويقول ابن مسعود: (التمسوا الغنى في النكاح). قال رسول الله: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [الترمذي وابن ماجه والحاكم بسند صحيح]، ومع الأسف فإن هناك أولياء أمور يمنعون بناتهم من زواج الأكفاء دينًا وخلقًا وأمانة، فقد يتقدم لبناتهم من الشباب الأكفاء فيماطلون ويعتذرون بأعذار واهية بعد أن يسألوا عن ماله وثروته، وعن وظيفته، وعن وجاهته ومكانته، ويغفلون أمر دينه وخلقه وأمانته، بل قد وصل ببعض الأولياء الجشع والطمع أن يرفع المهر ويطلب حفلات زواج أسطورية يشارك فيها المطربون والمطربات، وغيرها من الكماليات، وكأنه يعرض ابنته الحرة المسلمة الكريمة سلعة للمزايدة، وتجارة للمساومة والعياذ بالله، كيف يجرؤ مسلم غيور يعلم فطرة المرأة وغريزتها على الحكم عليها بالسجن المؤبد في بيته إلى ما شاء الله، ولو عقل هؤلاء لبحثوا هم لبناتهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا قدوتكم عمر الفاروق يعرض ابنته حفصة على أبي بكر ليتزوجها، ثم على عثمان، وغيرها من سير السلف الصالح! اتقوا الله فيمن تحت أيديكم من البنات، وبادروا بتزويجهن متى ما تقدم الخُطاب الأكفاء في دينهم وأخلاقهم، وسهلوا على الشباب طرق الزواج (إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فاتقوا الله يرحمكم، واعرفوا نعم الله عليكم، واشكروها وأصلحوا ذات بينكم، وتوجهوا إلى ربكم، واسألوه من فضله، وكونوا عباد الله إخواناً.
مشاركة :