خطيب جامع الخير يحذر من استخدام التقنيات الحديثة لبثّ الفرقة وهدم الأوطان

  • 7/7/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر: ان الوطن نعمة من نعم الله العظيمة التي لا تُقدر بثمن، بل تبـذل الأموال لأجـلها وترخص الأرواح في سبيلها، وحب الوطن حب فطري مغروس في النفوس، حتى الحيتان في أعماق بحارها، والوحوش في غاباتها، والطيور في سمائها، تحنّ إلى أوطانها، ولأجـل هذا كله -عباد الله- كان لفقد الوطن في القلب ألم قلّ أن يحـتمل، ولفراقه في النفس جرح لا يندمل،. من أجل هذا قرن الله عز وجل في كتابه العزيز بين مفارقة الوطنِ وقتـل النفس، فقال سبحانه عن بني إسرائيل: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (النساء: 66)، ولأجـل هذا كان الدفاع عن الوطن من أعـظم المواطن التي تبذل فيها الأرواح وتقدم فيها الدماء. إن من أعـظم نعم الله عليـنا هذا الوطن (البحرين) الذي نتفيأ ظلاله، ونعيش أجواءه، ونتنفس هواءه، نجد فيه السكينة والطمأنينة، فيه تاريخ الأجداد والمؤسسين الأوائل، لقد أكرمنا الله بوطن له جذور ضاربة في التاريخ، وعطاء وتضحية ووفاء قد بلغ عنان السماء، قد أرخى اللهُ فيه رداء الأمن، وقوى بنيان وحدته وتماسكه، وفتح على أبنائه أبواب رزقه، فله تعالى الحمد والمنّة. إن الوطن إذا اجتمعت فيه تلك النعم فقد حاز أسّ الرخاء، ونال قوام الحضارة، ألم تروا أن إبراهيم -عليه السلام- يوم أن دعا ربه ليهـيئ بمكة أسباب السعادة قال: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ»، فوطن فيه الأمن والأمان، وفيه الرزق والمعيشة، وفيه توحيد وعبادة، لهو نعمة كبيرة تستوجب الشكر عليها، إن هذا الوطن يستحق التمسك به، والاعتزاز بالانتماء إليه، والتضحية من أجل صون مكتسباته وانجازاته، ولتعلموا -عباد الله- أن محبة الوطن ليست شعاراً يرفع في المناسبات، بل هو إيمان في القلب وعمل تترجمه الجوارح، فالنبي يوم أن أسـكنه الله المدينة ورضيها له وطنا، سكنت في قلبه، وعظمت في نفسه، روى أنس بن مالك قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ -أَيْ أَسْرَعَ بِهَا- وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا). محبة الوطن تقتضي عدم الإتيان بعمل من شأنه أن يمس أمنه واستقراره، فالتفرقة والتشرذم والخلاف لأي سبب كان هو وبال وكارثة ومهلكة للجميع، لذلك حذر المولى منها، فقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105)، وقد أخبر النبي في أكثر من موقف عن أهمـية التآلف والوحدة وخطورة الخلاف والشقاق والتنازع: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (صَلاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ). تأملوا معي عباد الله، كم أهـلكت الفرقة والخلاف من قبلنا من أمم ومجتمعات، إن أول نواة لبناء الوطن وقيام الدولة هي الوحدة والتآلف بين أفراد المجـتمع، وهذا ما حرص عليه نبينا وهو يضع أسس المجتمع المسلم في المدينة، فآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع وثيقةَ المدينة بين المسلمين وغير المسلمين، وبث روح التآلف والمحبة. مع كل رسائل الوحدة والاتحاد، ودعوات الأمن والأمان، والتحذير من الفرقة والخلاف فإن هُنَاكَ مَنْ لا يحـلو لهم إلا قطع حبال تآلفكم، وتمزيق أوصال وحدتكم، وهدم بناء دولتكم، فلا يفتؤون ينشرون الشائعات، ويبثون الأراجيف والافتراءات، لأجـل إضعاف الوطن في النفوس، وتشويه صورة القيادات السياسية والدينية، مُستغلين في ذلك التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجـتماعي. فاحذروا -رحمكم الله- من أن تصـنعوا من أنفسكم لهؤلاء أبواقا أو أن تجعلوا مجالسكم لبضاعتهم أسواقا، فإن في ذلك خيانة وتضييعا للأمانة. أيها المؤمنون، قفوا صفاً واحداً في وجه كل مرجف وكذاب، واحذروا دعوات كل مفسد وخائن، اغرسوا في أبنائكم حب الوطن والاعتزاز به، علّموهم قيم الولاء والانتماء، فهم أمل الوطن وبناة المستقبل.

مشاركة :