قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر: لقد أغنى الله سبحانه وتعالى المسلمين، وأنعم عليهم بشريعته الخاتمة الكاملة التي تصلح لكل زمان ومكان، وعلق أسباب سعادة المسلمين في الحياة الدنيا وفي الآخرة بالعمل بها والتمسك بهديها، قال تعالى: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى» (طه: 123)، وقال تعالى: «فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 38)، والشريعة الإسلامية الغراء هي طريق الله المستقيم التي سار عليها جميع الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين، ومع ذلك نرى عبر التاريخ فئات من الناس تخالف ذلك الهدي، وتغرد خارج السرب، ولقد حذرنا رسول الله من ذلك المسلك حين قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟!، قال: (فمن!!) (متفق عليه)، وهذا التحذير والتنبيه للأمة في عصورها وأزمانها من التشبه بالكفار، ومن شاء منكم فليتأمل في دعائه اليومي لأكثر من سبع عشرة مرة وهو يقول: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ». أن مسايرة الكفار والتشبه بهم هو محاكاة لهم، سواءً قصدنا من ذلك المشابهة أم لم نقصد، فمن لبس لباسهم وأصبح على هيئتهم من دون مراعاة للقيم والآدب الإسلامية فهو منهم، لذا وجب التنبيه والتحذير لسلوكيات وقع فيها بعض أبنائنا وبناتنا، وقد تكون تلك السلوكيات في بيوتنا –عياذًا بالله- لذا وجب على أولياء الأمور والأمهات في البيوت تفقد أبنائهم وبناتهم قبل أن تقع الكارثة ويخسروا الدنيا والآخرة. لقد ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة المسترجلات، أو اللاتي يعرفن بالبويات وهي تأنيث كلمة (Boy) بالإنجليزي، والتي تعتبر من أخطر الظواهر السولكية التي تفتك بالأسر والمجتمعات المسلمة حين تتحول البنت في كلامها ومشيها ومظهرها وسلوكها الخارجي إلى ولد، فتلبس ملابس الرجال، وتقص شعرها كالأولاد، وتتصرف وتتحدث مثلهم، ويقع بين البويات ما حرمه الله ورسوله -عياذًا بالله-. إن السبب الرئيسي لانتشار هذه الظاهرة في المجتمعات المسلمة هو ضعف التدين والخواء الروحي، ما حدا بهن إلى تقليد الغرب في كل شيء، والخروج عن أنوثتهن التي خلقهن الله عليها، فتسترجل البنت حين تخرج إلى المجتمع لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وقد جاء عن رسول الله: «لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء»، وقد جاء اللعن في التشبه فما بالكم فيما هو أكبر؟! والسبب الثاني هو غفلة الأسرة وتهاونها في تربية البنات منذ نعومة أظفارهن، وقد يكون ذلك بسبب التفكك الأسري، فلابد من متابعة البنت قبل سن البلوغ ومرحلة المراهقة، والمسؤولية الكبرى تقع على الأم راعية البيت والمنزل، فإذا ظهر من البنت أي انحراف أو بوادر سلوكيات شاذة أن تعرضها على طبيب نفسي أو باحث اجتماعي، فإن تلك عوارض مرض يفتك بالأسرة والمجتمع. وثالث تلك الأسباب هو الإعلام والغزو الفكري من خلال الأفلام والأغاني والمسلسلات الهابطة التي تعرض الفتيات المسترجلات بصورة مقبولة للمشاهد، ولنعلم أن بداية ذلك الشذوذ يرى في المظهر الخارجي فيتشبهن المسترجلات بالرجال في الملبس وقصة الشعر وطريقة المشي ليلفتن الانتباه إليهن، ثم تأتي مرحلة التحرش بالبنات سواءً في المدارس أو المعاهد أو المجمعات وصولاً إلى مرحلة الشذوذ الجنسي وهي أخطر المراحل. لا بد من وقفة حازمة من الأباء والأمهات والتصدي لكل ما يعرقل مسيرة الأسرة، فلرب مسترجلة واحدة في المنزل تزلزل أركانه وتهد بنيانه، وعلى جميع أركان الدولة وقطاعاتها الأمنية والتربوية والدينية والصحية الاستنفار لمواجهة تلك الظاهرة في المدارس والمجتمعات والأسواق. إن عدوكم يتربص بكم ويعمل على إضعافكم في الداخل، ومعاول الهدم التي بيده كثيرة، لذا أول ما يسعى له هو هزيمتكم أخلاقيًا، فيضرب الأسرة ويمزق كيانها ويضعف بنيانها لتكون عائقًا في تماسك المجتمع ووحدته، فقوموا بواجباتكم تسلم لكم أوطانكم. ولقد جاءت صرخة أم يحترق قلبها على ابنتها الغائبة عن البيت لتوقظ قلوب قد غفلت عن بناتهن، إنه جرس إنذار لكل أم لديها بنات أن لا تغفل عن بناتهن، على الأم أن تذهب مع بناتها أينما ذهبوا، وتتصل بهن بين الحين والآخر، وأن تسأل عنهن وعن صديقاتهن، لقد جاء التسجيل الصوتي لتلك الأم الرءوم خوفًا على ابنتها التي تاهت في مسالك الغوية والشيطان، تلك البنت التي اعتقدت يومًا بأنها ولية نفسها بحثًا عن الحرية المزعومة، حتى جاء نداء تلك الأم ليوقظ القلوب والأبصار، فانتبهوا عباد الله لبناتكم، فكلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. وفي هذا المقام نتقدم بالشكر والتقدير لوزير الداخلية لسرعة استجابته لنداء المرأة المكلومة، والعمل على عودة ابنتها إليها. ألا فاتقوا الله -عباد الله- واعملوا على القيام بأماناتكم تكونوا من المفلحين الفائزين، وتحظوا بالرضوان والنعيم المقيم.
مشاركة :