مبادرة «أدب العزلة» هي مبادرة أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهي مؤسسة ثقافية حكومية سعودية. تهدف مبادرة «أدب العزلة» إلى استثمار فترة البقاء في المنزل للوقاية من فيروس كورونا لتحفيز ممارسة التدوين والكتابة الأدبيّة. وتصدر أهداف هذه المبادرة في إيجاد فرصة للاختلاء بالذات، والتعبير عن المشاعر ومحاورة الأفكار، وتوظيف العزلة في إنتاج مشروع أدبي لتوثيق الأحداث الحالية، وخلق حالة من التفاعل المجتمعيّ في وسائل التواصل الاجتماعيّ تبثُّ روح الأمل والتفاؤل، واكتشاف مواهب أدبيّة تثري المشهد الأدبيّ. وتشتغل هذه المبادرة على توظيف الفضاءات التفاعلية الإلكترونية من خلال التفاعل مع هاشتاق «أدب العزلة» لكتابة نص أدبي، وإرسال نصوص أدبيّة طويلة عبر المنصة الإلكترونيّة المخصّصة لذلك.في مقال سابق لي تحدثت عن تلك العلاقة البنيوية العميقة بين الأوبئة والتاريخ بوصف الأوبئة مسارات مفصلية كبرى غيّرت الكثير من ملامح التاريخ البشريّ عبر العصور، وخاصة في علاقة المرض بالقوة والإمبريالية. وفي هذا السياق أشير إلى مبادرة كلية الآداب بجامعة الكويت, إلى إطلاق مؤتمرها الدوليّ الإلكترونيّ الأول لقسم التاريخ والآثار (20_21 أبريل 2020)، وجعله باسم «الأوبئة عبر التاريخ»، هي التفاتة ذكية جدًا انتبهت إلى أمرين: استثمار جائحة «كورونا» العالميّة في درس التاريخ من خلال بيان المسارات التاريخيّة المفصليّة الكبرى للأوبئة الكونيّة، والأمر الآخر الانتباه إلى ضرورة ديمومة العمل الأكاديميّ البحثيّ وعدم توقفه باستثمار الفضاءات الإلكترونية التفاعلية.إنَّ هناك أنساقًا ثقافية كبرى رابطة بين الأدب والأوبئة؛ فهناك أعمال أدبيّة خلَّدها التاريخ الأدبيّ العالميّ وهي صادرة عن هذه العلاقة البنيوية. في عام 1911 كتب الروائي الألماني توماس مان رائعته الروائية «الموت في فينيسيا» أو الموت في البندقية وفقًا للترجمات العربية. لقد كان توماس مان واقعًا تحت تأثير فلسفة فردريك نيتشه وشوبنهاور عندما نظر إلى جمالية «الوباء» وفكّكه فلسفيًا. أصدر الكاتب الفرنسيّ ألبير كامو روايته «الطاعون» سنة 1947م، وحازت هذه الرواية جائزة نوبل في الآداب. رصد كامو في هذه الرواية قصة عاملين في المجال الطبي بمدينة وهران الجزائرية زمن انتشار الطاعون، وبيان تلاحمهم وتآزرهم رغم انتمائهم إلى طبقات اجتماعيّة مختلفة. تساءل كامو في هذه الرواية التي كتبها بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية بسنتين عما إذا كان بإمكاننا تصوّر المعاناة بوصفها تجربة مشتركة وليست عبئًا فرديًا. لقد كان كامو يدرك ويعترف بعالمية المعاناة؛ فالطاعون حدث استثنائيّ رهيب يمكن أن يجتاح أيّ أحد بسرعة قاتلة. إنَّ السارد في رواية «الطاعون» هو الطبيب برنار ريو، والغريب جان تارو الذي استغرق في تأملاته الأخلاقية، وكلاهما قادا فرق الإصحاح البيئيّ الطوعية التي كانت تنقل الجثث، وتعزل المرضى مما ساعد في حماية الأصحاء من السكان.وفي رواية «العمى» للروائيّ البرتغاليّ جوزيه ساراماغو تتحدث الرواية عن وباء غامض يصيب إحدى المدن، حيث يُصاب أهل هذه المدينة بالعمى فجأة، مما يخلق موجة من الذعر والفوضى العارمة التي تؤدي إلى تدخل الجيش من أجل السيطرة على الأوضاع. إنَّ ساراماغو يوظف «العمى» في رمزية دالة على «العمى الفكري. تقول زوجة الطبيب في نهاية الرواية «لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون» في إشارة إلى أنَّ الأخلاق البشرية والمبادئ الإنسانية هشة أمام العوز البشريّ. ما بين «الطاعون» لألبير كامو و«العمى» لجوزيه ساراماغو والحب في زمن الكوليرا» لغابرييل غارسيا ماركيز ورواية «إيبولا 76» للروائيّ السودانيّ أمير تاج السر.. مئات من النصوص التي أنتجها أدباء من مختلف دول العالم عن الأوبئة الكونيّة الكبرى.. فماذا عن الأدب العالميّ الذي ستنتجه الجائحة العالميّة «كورونا»؟! هل ستكون «كورونا» مسارًا فارقًا في تاريخ الأدب العالمي أيضًا وليس فقط السياسة والاقتصاد؟!أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث المساعد،كلية الآداب، جامعة البحرين.dheyaalkaabi@gmail.com
مشاركة :