لو سألت 100 كولومبي عن السعادة، فمن المرجح أن تحصل على 100 إجابة مختلفة عن الموضوع نفسه. وستجتمع معظم الإجابات على أن المال شيء جيد ولكنه ليس الأهم لأن الأكثر أهمية بالنسبة لهم هو محبة الناس والموسيقى. هكذا يختصر الكولمبيون معادلة السعادة، فرغم الأحوال الاقتصادية السيئة في البلاد إلا أنهم شعب مغرم بالحياة والفرح، فالموسيقى والرقص عنصران أساسيان في حياة الشعب الكولومبي، فالكولومبيون لا يتوقفون عن الاحتفال، فعدد الاحتفالات في كولومبيا يفوق عدد أيام السنة، ولعل كرنفال «بارانكويلا» الذي يمتد لعدة أيام خير مثال على الولع الشديد لدى الكولمبيين بالاحتفال. إن هذا الولع الاحتفالي جعل من كولومبيا وحسب الاستطلاع السنوي الذي تجريه مؤسسة «وين غالوب الدولية للأبحاث» من أكثر بلدان العالم سعادة. فهل سر تلك السعادة هو إقامة كرنفالات ومهرجانات شعبية يتشارك فيها الأغنياء والفقراء؟ عندما يتحدث الباحثون والدارسون عن فن الكرنفالات فإنهم يميلون إلى تصنيفه ضمن الأدب الشعبي المتمثل بأداء طقوس هزلية ومهرجين وأقزام ومسوخ، فهم ينظرون له من خلال أدب المحاكاة الساخرة والمسرحيات الهزلية في الساحات العامة. كما أنهم يجدون أن فن الكرنفال هو انتصار لنوع من التحرر المؤقت على النظام القائم فمن خلاله تتم عملية إلغاء مؤقت لكل العلاقات التراتبية، والامتيازات والقواعد والتابوهات، ففي الكرنفالات تزول الفروق الاجتماعية ويصبح جميع الناس سواسية لا تفصلهم حواجز إسلوب الحياة أو الطبقة الاجتماعية. إن أهمية الكرنفالات أو المهرجانات بشكل عام تأتي من كونها قادرة على توحيد المجتمع حول أفكار تراثية أو حول فكرة الخروج من القيود الفكرية، فالفكرة في الكرنفال تستدعي الخروج عن المألوف والمعتاد في الحياة المجتمعية اليومية، بل إن تلك الكرنفالات تمنح خروجاً مؤقتاً عن العالم الحقيقي ليصنع أفراد المجتمع قصصهم الخيالية وليستقوا من الأساطير ما يجعلهم يعيشون الفكرة التي يرغبون في أن يعيشوها في تلك الفترة الزمنية المؤقتة. لهذا فإن ظاهرة المهرجين والأقزام والمسوخ تكثر في تلك الاحتفالات كما تكثر أيضاً المبالغة في تلوين الأجساد وارتداء الأقنعة وتقمص أدوار الحيوانات بكل أنواعها. إن أهمية الكرنفال لا تنحصر في فكر مجتمعي وحسب وإنما هي تجسيد حي لفنون وثقافة المجتمعات، فبدل من أن تكون الفنون حاجزاً ما بين طبقات المجتمع تتحول إلى نوع من الممارسة الشعبية، لهذا فإن الكرنفالات تعتبر رافداً اقتصادياً محركاً لمؤسسات تجارية مختلفة وبالتالي فإن الحراك الفني يجد في ذلك فرصة عظيمة للترويج لنفسه. والكرنفالات لا تتم إلا من خلال تنظيم عالٍ تتشارك فيه مؤسسات الدولة مع جميع الأطراف وتتحول إلى منظومة سنوية قادرة على جمع المجتمع حول فكرة يصنعها بنفسه ويحولها إلى عيد شعبي كبير.
مشاركة :