2017/11/09 لسبب ما لم تعتد الأذن العربية على فن الأوبرا، هذا الفن الأوروبي الخالص الذي يستهوي أصحاب الذائقة الفنية الرفيعة، والذي يحدث وفق طقوس خاصة ويختص بمعايير فنية رفيعة، فهو فن لا يقبل بأقل من درجة الفخامة في كل أشكال الممارسة الفنية التي يحتويها. الأوبرا ليست غناء عادياً، وموسيقاها ليست مجرد ألحان وأداء الممثلين فيها يخرج عن دائرة التمثيل المسرحي العادي، فالنموذج الأوبرالي فريد في تشكيلته وإعداده وأدائه. قد يقال إنه فن أكبر من الحياة وقد يبدو وكأنه خرج من إسطورة إغريقية لأن هناك الكثير من المبالغة والتضخيم والخروج عن المألوف والمعتاد فيما نختبره في حياتنا، فلكي تدخل هذه التجربة «حضور عرض أوبرالي»، عليك أن تتجرد من الأنا التي تعرفها، فأنت تدلف إلى عالم أسطوري غير عادي ولربما يكون خارج نطاق الحقيقة. هناك نوعان من الناس، من يهوى الأوبرا لأنها تمنحه تلك القفزة إلى العالم الآخر، أما النوع الثاني فهو يرى في الأوبرا مشروعاً قديماً وغير منطقي ولا يساير التطور البشري، وهؤلاء يقتربون في تفكيرهم من الممثل الكوميدي وكاتب المقال الأمريكي: روبرت بينشلي عندما وصف هذا الفن وقال: « الأوبرا هي عندما يتم طعن شخص ما من الخلف وبدلًا من أن ينزف، يشرع بالغناء».. بإسلوبه الساخر هذا لخص بينشلي تجربته الأوبرالية في أنه لم يجد أن هناك منطقاً يرتبط بالفكرة الإخراجية أو بكتابة القصة، ولعله أيضاً يخبرنا أن الحالة الغنائية تطغى على الأداء المسرحي. وقد يكون هذا واحداً من الأسباب التي لم تجعل لدى المتلقي العربي ذائقة أوبرالية، ما يدعونا إلى الوصول إلى نقطة الاختلاف الثقافي أو الموروث الثقافي، فكلنا يعرف أن الثقافة الأدبية الغربية نهلت كثيراً من المخزون الحكائي الأسطوري بينما الموروث العربي نهل من حكايات متداولة وثقافة اعتمدت على نقل قصص واقعية لأشخاص وبشر حقيقيون وإن تخللها شيء من الخيال إلا أنها التصقت بالواقع الملموس بشكل أو بآخر. على كل حال لا يمكننا أن نعمم الذائقة فرغم هذا الموروث الثقافي إلا أن هناك الكثير ممن تأثروا بالفنون الغربية وتستهويهم الأوبرا، خاصة أنها تملك مقومات الفن الرفيع، فاختيار القصة يتم بعناية فائقة، كما يعتبر النص الشعري في الأوبرا عنصراً بالغ الأهمية، فقد يحدث أن يكون النص ضعيفاً فيهزم المؤلف الموسيقي، وقد يكون المؤلف الموسيقي قديراً ومتمكناً جداً فيرفع من قيمة النص الشعري كما كان يفعل فيردي في أوبرا « الشاعر الجوال» (التروبادورو). لا شك أن وجود تجارب حقيقية لصناعة أوبرا عربية سيكون رائعاً ومختلفاً، فتجربة «أوبرا عايدة» في مصر كانت تجربة ناجحة بكل المقاييس، لأنها قدمت حكاية صغيرة في قالب فني ضخم منح العمل فخامة وتأثيراً وارتبط بالموروث الثقافي الفرعوني، فالقصة كتبها عالم الآثار الفرنسي أوجست مارييت الذي تم تعيينه مديراً للآثار فى عهد الخديوي عباس عام 1858اعتمادًا على مخطوطات عثر عليها، والتي تروي حكاية قديمة عن وقوع قائد مصري في غرام أميرة حبشية أسيرة، فاستند إليها في تأليف العرض المسرحي الغنائي، وقام بنفسه بتصميم الملابس والديكورات التى اختارها من فرنسا. إن هذا الفن وإن كان يعود تاريخه إلى قرون سابقة إلا أنه فن يفتح الباب لعدد من الفنون لتجتمع تحت مظلة عمل درامي غنائي شعري، بل إنه يجمع فنون الديكور والتصميم والتشكيل، ولا شك أنه سيكون بمنزلة قاعدة فنية ترتفع بالذوق العام في حال تم اعتمادها، والعمل على إنتاج أعمال ضخمة تستوحى من التاريخ العربي والإسلامي الثري بقصصه وأمجاده. لا أشك أبداً أن المتلقي العربي سيتلقى هذا الفن ويتذوقه إن كان هناك من هم على استعداد أن ينفقوا عليه بسخاء ليعكس صورة الإنسان العربي العريق بحضارته وثقافاته في الماضي والحاضر. يقول الكاتب المسرحي والروائي التركي: محمد مراد إلدان: «إن أردت أن تشعر أنك تنتمي لشيء أعلى، لشيء أبعد من هذا الكون كله، فعليك أن تذهب إلى الأوبرا».
مشاركة :