زين شحاتة يكتب : مصر تبني المستقبل بجراحة الحاضر

  • 3/21/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من أبجديات الفكر الإستراتيجى تحديد الغايات وفقًا للوسائل الممكنة ، مع تقييم الموارد المتاحة فى الموضع الذى يتم مجابهته ، بالإضافة إلى ترتيب الأولويات والأهداف ، ومن صفات العقل الإستراتيجى الابتعاد عن القرارات الملونة انفعاليًا واستدعاء تجارب الماضى للاستفادة منها وإعادة بنائها ، والتمرد على التقاليد الموروثه بالرغم من إيحائها بالأمان وإعفاء صاحبها من المقارنات و التحليلات التفسيرية التى ستغير الواقع ، وبالنظر إلى السياسة المصرية الحالية سنجد الكثير من ملامح هذا الفكر الإستراتيجى خصوصًا هذا الذى يرتبط بتجارب الماضى ، فالماضى القريب وبالأخص ما قبل 25 يناير ، أيام يتحسر عليها الكثير لا سيما البكاء على الدعم المسكوب ، وأنها أيام ماضية نأمل تكرار مشاهدها بالمستقبل القريب ، ولكن بتمعن النظر سنجد أن تلك الأيام هى الكاتب لسيناريو الحاضر ، فالسياسة التى كانت تدار بها مصر اعتمدت على المسكنات فى علاج الأمراض لا على الجراحة أو المضادات التى تقضى على المرض من جذوره .ومن أمثلة هذه المسكنات مواجهة المشكلة السكانية بالسماح بالعشوائيات كالبناء على الأراضى الزراعية وغيرها فى المناطق غير المسموح بها، حيث كان الشعب ينتظر مواعيد الاستحقاقات الانتخابية والأجازات الرسمية لاغتصاب الأراضى الزراعية ظنًا أن الحكومة لا تستطيع حماية الأراضى الزراعية فى نفس وقت حماية الانتخابات البرلمانية ، بالرغم من يقين الشعب بقدرات الدولة ومؤسساتها .وتمت مواجهة المشكلة الصحية بمستوصفات المساجد و الجمعيات الأهلية التى يخطط لها من البداية لخدمة مصالح أصحابها السياسية لا لخدمة المواطن الباحث عن خدمة طبية يضمنها له الدستور الإنسانى قبل دستور الدولة ، وتمت مواجهة مشكلة النقل بالإكثار من سيارات النقل الخاصة "الميكروباص" و من بعدها " التوكتوك" دون البحث فى تطوير منظومة النقل وفى مقدمتها خطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق و مرافق النقل العام ، وتلمسنا جميعًا الإضرابات التى قام بها السائقون فى عدة محافظات قبل 25 يناير كرد فعل تلقائي على أى قرار من الحكومة يتعارض مع مصالحهم ، مثل إلغاء مقطورات سيارات النقل البديل للسكك الحديدية فى نقل البضائع ، وكانت الطامة الكبرى هى مواجهة انهيار المنظومة التعليمية بالمدارس والجامعات الخاصة ، حتى أصبحت مصر مكتظة بالمؤسسات الخاصة التعليمية وبدلًا من أن تكون جزءا من الحل أصبحت مشكلة وعائقا فى طريق التطوير المنشود و الضرورى الآن .أما الإعلام الفاعل المسيطر إن لم يكن المطلق فى تشكيل الوعى القومى ، تمت معالجته خارج مؤسسات الدولة الإعلامية وعلى رأسها ماسبيرو، وتم إنشاء القنوات الخاصة التى سيطر عليها رجال الأعمال فى البداية ثم تسربت لها أموال من جهات عدة بعضها معلوم المصدر مجهول الأهداف ، وبعضها مجهول المصدر معلوم الأهداف ، حتى وجد الإعلام الوطنى نفسه فى مواجهة شرسة غير متكافئة مع إعلام خاص يمتلك من الأموال ومن الصلاحيات والمرونة ما يمكنه من جذب المواطن البسيط لقصف عقله ، ونضيف على ذلك الثقافة وقصورها .وأعتمدت السياسة التسكينية فى تنمية اقتصادها على السياحة ، أى على اقتصاد مستوى الخدمة المقدمة للضيف أو السائح ، وهى صناعة هشة يمكن لعمل إرهابى داخلى أو حوار تليفزيونى مضاد خارجى أن يسقطها ويدمرها ، ولم يتم التفكير فى تنمية الصناعات الوطنية والقومية .مما سبق يتضح لنا أن سياسة الدولة فى مواجهة المشكلات التى سبق ذكرها تعتمد اليوم على جراحة تزيل أسباب المشكلة من جذورها لتحيا مصر المستقبل قوية راسخة .

مشاركة :