آخر ما طفحت به الحالة المصرية من فراغ أو استفراغ ما ورد في الصحف على لسان وكيل «الحزب العلماني المصري» من أنه حزبه «يسعى صراحة لإلغاء الهوية الإسلامية»! هكذا أصبحت الهوية الإسلامية في مصر العروبة والإسلام والأزهر وكأنها «بطاقة تموين»! لقد عاد مفتي مصر الشيخ علام من جولة أوروبية للدفاع عن صورة الإسلام ليجد في انتظاره ضجة حول إباحة الجنس خارج دائرة الزواج! يخشى كثيرون في مسعى الإعلاميين والعلمانيين الجدد لاستئصال «الإخوان - المسلمين» أن يتم استئصال الجزء الثاني فقط!! ولهؤلاء وغيرهم أقول: إن مصر لا يمكن إلا أن تكون عربية بالمفهوم الأصيل، إسلامية بالمفهوم الجميل.. تتعدد المحن والأزمات، وتتنوع السياسات والتوجهات، وهذه سنة الحياة.. لكن مصر لا تتغير.. مصر ليست للتفصيل تارة على مقاس المتطرفين نحو اليمين وأخرى على مقاس المتطرفين نحو الشمال.. مصر كالنيل.. يتعرض مجراها.. مجرى حياتها للنباتات الغريبة والطحالب الخطيرة والفطريات البليدة لكنها تمضي. لا الصحف المدجنة ولا القنوات المهجنة ولا الأقلام السامة ولا الأبواق اللامة يمكن أن تغير وجه مصر.. تظهر الفقاقيع والبثور والدمامل لكنه يعود بهيًا مضيئًا كالقمر.. ومصر كالقمر. لا الضفادع النقاقة ولا الغربان الناعقة يمكن أن تغير صوت مصر.. يظهر النشاز تارة والشواذ أخرى، لكن صوتها يظل رقراقًا كالماء العذب. لا الحملات المحمومة والنزعات الطائفية المجنونة والدعوات اليومية للحرب الأهلية يمكن أن تغيّر أو تسوّد قلبها.. قلب مصر يسع أبناءها.. من في السلطة ومن خارجها.. من في الشرطة ومن في الشعب. السلطة والمعارضة كانتا بالأمس القريب على العكس.. كانت السلطة في المعارضة والمعارضة في السلطة.. هذه سنة الحياة.. ومصر تشاهد وتسجل وتدون.. مصر في النهاية هي التي تقيس، بل قل: هي التي تعيش! ما تراه حقًا قد يكون باطلاً، والعكس جائز! وما تراه إنجازًا قد يكون جريمة في حق مصر والعكس ممكن! والمهم أن تترك مصر تتحدث عن نفسها! لا تدعي أنك وحدك قلب مصر وصوت مصر ووجه مصر! لو تمالكت نفسك وشاهدت أو استمعت لمن يحبون مصر على طريقتهم هذه الأيام لصرخت من فرط الفزع.. هذا يدعو لحرق مؤسساتها قائلاً: إنه من أجل مصر! وذاك يدعو لقتل شعبها قائلاً إنه من أجل مصر! وهناك من طالب بتحويل الشوارع إلى أنهار دماء على الهواء! وتمزيق أطراف مصر إلى أشلاء! وهدم المنازل وحرق المزارع وترويع الأحياء! وكله على الهواء! المؤسف الآن أنه فور بروز صوت واحد عاقل يدعو للهدوء أو للصفاء أو لمصالحة شاملة خرجوا عليه بدعوى الدفاع عن مصر وحماية مصر.. إنه الخوف على أموالهم!! بالأمس فقط أرسل الأزهر وفدًا للمشاركة في «المصالحة الوطنية» في إفريقيا الوسطى! وضم الوفد «منسق بيت العائلة المصرية» و»منسق اللجنة العليا للمصالحات بالمشيخة»! وسيدعو الوفد إلى: 1- وضع حد للأزمات والمذابح والتهجير. 2- وضع الضوابط الكفيلة بحقن الدماء وإعادة الهدوء والاستقرار. 3- المصالحة القلبية وأن يصفح كل طرف عن الآخر! كلام جميل.. لكنه.. هناك في «بانجي» وليس في القاهرة!. sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :