شيئاً فشيئاً، تجد مصر نفسها ويجدها العالم بين معسكرين.. أولهما للشتّامين الذين يسعون الآن لإحالة كل الأبناء إلى أعداء، والآخر للشامتين الذين يتمنّونها شظايا وهباء!. إنهم أو إنهما، عن عمد يلغّمون طريق الرئيس الجديد أيًا كان، والمستقبل الجديد في كل الأحيان.. لقد نجح هؤلاء عن جهل تارة، وعن عمد تارات أخرى، في سرقة أرض الميدان وتجفيف الثمرة، أو كل الثمرات في الأشجار وفي العيدان.. ويا هوانَ الهوان!. ويُخطئ من يظن أن العامل الاقتصادي وحده يُمكن أن يُمهِّد الطريق ويكسحه أو يكنسه من الألغام.. يُخطئ من يظن أن المال أو كل الأموال كفيلة وحدها بإنهاء الاحتقان. لقد تمادى البعض، وعمد إلى المبالغة في التأكيد على أن المشكلة الكبرى التي ستواجه الرئيس القادم هي الاقتصاد، ناسين عن عمد أو جهل أن مصر الآن في حاجة إلى عملية إصلاح اجتماعي كبرى، حتى يتمّ توحيد النشيد، وحتى يشتعل قلب مصر بالوجد وحبّات الحصيد، إيذانًا بإشراق شمسها من جديد. ولكن كيف يتم ذلك، وقد تخلّى معظم الشعراء عن الحكمة، وبعض العلماء عن الوقار، وكل السّاسة عن الفطنة؟! كيف يتم ذلك، وفي مصر الآن قنوات مملوءة عن آخرها ببراميل البارود والبنزين، وكل مواد وعناصر التفجير؟!. كيف يتم ذلك، وفي مصر الآن برامج تشعلها كلما هدأت أو كادت تهدأ، ومفاجآت تُعرقلها وتُربكها كلما مالت للاستقرار، وحماقات تغرقها في الدم، كلما بدأت في مداواة الجروح؟ يُغالي البعض في التركيز على العنصر الاقتصادي متناسين العنصر الاجتماعي، باعتبار أن كل شيء يمكن أن يُباع أو يُشترَى بالمال!. وعلى سبيل المثال، يتمسّك هؤلاء بنظرية كانت تصلح في وقتٍ سابق تقول: إنّ الاقتصاد أو ضخّ الفلوس سيُرطِّب النفوس، ويجلب السياحة، وتنتعش البورصة، وتنتشر المشروعات ويعيش الشعب في التبات والنبات!. صحيح أنّ ضخّ الفلوس قد يعيد الكهرباء المقطوعة، والمكافآت والحوافز والبدلات والكادرات الممنوعة، ولكن كيف يمكن إعادة الأرحام المقطوعة، واللحمة الممنوعة، والألفة المستحيلة؟!. إنّ توفير هذه الأشياء أو كل القيم لا يقل خطورة عن توفير الأنابيب والتيار الكهربائي ورغيف الخبز، لقد اعتمّ ليل مصر بسبب الكهرباء، فمن يستطيع الآن أن يملأ بستانها بعض الورود؟ ومن يفسح المجال من جديد لأحلام الصعود؟ هل هو العامل الاقتصادي أو قل البرنامج الاقتصادي للرئيس الجديد؟. دعونا نسأل من جديد، ونُحذِّر، وننبّه من قريب ومن بعيد: هل هذه الوجوه التي أحالت منجزات الثورة شظايا وهباء، وتلك الأشكال التي تتمسك بأن تكون لغة الحوار هي القتل والدماء، تصلح لأن تُمهِّد الطريق للرئيس الجديد؟!. زرتُ فوجًا من المصريين الذين يُؤدون العمرة، وكدتُ أبكي وأنا أستمع لنقاشاتهم وهم عائدون لتوّهم من الحرم الشريف!. لقد وقفوا كلهم أمام الكعبة المشرفة يدعون لمصر بــ «الأمن والأمان والاستقرار»، لكنهم عندما عادوا للفندق دخلوا في مناقشة حامية الوطيس استُخدمت فيها كل عبارات التخوين والتكفير، والفساد والإفساد والتلغيم! فمن جعل نفوس هؤلاء تتغير كل هذا التغيير؟!. هل فكّر ويُفكِّر واضعو البرامج السياسية للرئيس الجديد في فكرة واحدة للمّ شمل هؤلاء؟! هل صرف ويصرف مموّلو البرامج الفضائية قرشًا واحدًا لتخصيص حلقة واحدة لترطيب نفوس هؤلاء؟!. أم أنهم جميعًا اتفقوا على استمرار الخوذات السوداء، ومتاريس البغضاء، وأدخنة الدمع الخانقة، وقنابل الرعب البدائية منها وغير البدائية، المصنوعة والمصطنعة.. الفاعلة والمفتعلة؟!. كل ذلك وأكثر منه يقودنا للسؤال الكبير: هل بات في مصر أغنياء حرب، يهمّهم في المقام الأول والأخير أن يحجبوا وجه مصر النضير؟! هل باتت مهمة هؤلاء الأولى استمرار الأزمة وزيادة حجم الفتنة بحيث تستمر أجورهم أو مكافأتهم أو صفقاتهم على هذا النحو المخيف؟!. من هم الذين يربكون مصر الآن حقًا ويسعون لإظلامها نهارًا وليلا؟ هل هم - كما يقولون - طلاب الجامعات، أم طلاب الفتنة وهواة الضغينة، ومحترفو الوقيعة؟!. نعم .. هناك ممارسات مستهجنة من بعض طلاب الجامعات، فماذا عن ممارسات وجرائم طلاب المصالح والدفاع عن المكتسبات؟! ماذا عن فضائح طلاب المليارات؟! ماذا عن مكائد طلاب المآزق والمنحنيات والسقطات؟!. لقد كتبوا: على الأمن أن يتصدّى لطلاب الجامعات على طريقة الأفلام المصرية، وهي أصعب مهمة يمكن أن يؤديها مصري في مواجهة مصري آخر، فمن يتصدى لممارسات وجرائم وفضائح أصحاب المصالح الشخصية والأهواء النفعية؟. لقد كُتب على الأمن أن يواجه ملغّمي وقاطعي الطرق والشوارع، فماذا عن ملغّمي العقول والأدمغة، ومُقطّعي أرحام المصريين كلهم؟!. أفهم أن «يشتم» المرء دفاعًا عن مصر، وإن كان المسلم ليس بشتّام ولا لعّان، وأفهم أن «يشمت» المرء في سقوط الخصم، أو لخطأ الخصم.. لكنّي لا أفهم أبداً أن تطال «الشتائم» كل من يختلف مع هذه المجموعة أو تلك في الرأي، وكل من يتصدّى للدفاع عن مصلحة مصر الحقيقية، لا مصلحة هؤلاء الشخصية!. لا أفهم كذلك أن يشمت مصريّ في قتل فردٍ أو مجموعةٍ، وفي تفجير قنبلة وهمية أو مصنوعة. لقد تمادى أفراد المعسكرين -الشتّامين والشامتين- في غيّهم، حتى تعبت مصر ولم يتعبوا، وحتى سئمت مصر، ولم يسأموا، وحتى بكى النيل ألمًا وحرقة، فيما يذرفون هم، دموع التماثيل!. وبوضوح نسأل الجميع: هل تريدونها مصر السماحة والرحابة والوئام، أم مصر التشفّي والشماتة والخصام؟!. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :