استقراء صورة المرأة في المشهد الاجتماعي والثقافي لاي مجتمع يمكن الاخذ بها كمقياس لمستوى تحضر هذا المجتمع ومدى انسجامه مع بعضه البعض ومع منظومة القيم التي يرتكز عليها المجتمع في اتجاهاته وفي سلوكياته.. ولعل استقراء الصورة الذهنية للمرأة في المجتمع السعودي تكشف حالة التناقض بعمومه في حياتنا المتباينة بين رؤانا في الداخل ورؤانا التي نعلنها في الخارج وهي بالمناسبة لا تختلف كثيرا عن تناقضاتنا ايضا في افعالنا داخليا وخارجيا فنحن لا ننزع ازياءنا التقليدية فقط في السفر بل والكثير من قناعاتنا نخزنها في الحقيبة الى حين عودتنا ثم نرتديها ونرتدي ما يترتب عليها من سلوكيات بل ان بعض هؤلاء يبالغ في حالة الانسلاخ فيزايد على غيره في دينه ووطنيته. الصورة الذهنية التي يحاول البعض تقديم المرأة من خلالها للاسف صورة مشوهة ولا توجد الا في خيال اصحابها فهي من وجهة نظر هؤلاء مخلوق ضعيف غير مؤهل لحماية نفسه لا يمكنها بلوغ الاهلية. ووقوعها في الخطأ هو القاعدة وليس الاستثناء هي باختصار علاقة النعجة بالذئب علاقة الافتراس والوحشية وكأن العقل النعمة الإلهية التي ميز الله بها الانسان ذكرا وانثى عن بقية مخلوقاته اختصت الرجل دون المرأة وكأن التكليف بكل متطلباته يخص المرأة في العبادة ويستثنيها في التعاملات الحياتية فصل صارخ لا يرتكز على رؤى دينية بل مجموعة اعراف اجتماعية بعضها يتعارض مع الدين الاسلامي؟ الخطورة في تلك الصورة انها زرعت في عقول الشباب سهولة التحرش بالمرأة واستباحة ذلك وفق مبررات غير موضوعية ولا تتفق مع مبادئ السلم الاجتماعي والزامية احترام الجميع للنظام المعمول به في البلاد.. حين يتحرش شاب بامرأة ثم يبرر البعض انها كاشفة الوجه؟ فانه يبيح اختراق منظومة القيم الاجتماعية متحديا جميع المؤسسات الرسمية وخاصة الامنية ويزرع الفتنة والفساد.. فهو يبيح سرقة البنك لان ابوابه مفتوحة.. وهو يبيح ان يسرق شاب سيارة آخر لمجرد انه تركها امام منزله.. بذلك المنطق نبيح ان تكون سلطة القانون ادنى من سلطة الفرد ويخضع المجتمع برمته والمرأة على وجه الخصوص للتقدير الفردي للصواب والخطأ.. باختصار نظام الغابة.. وليس سيادة القانون. اختزال صورة المرأة في ذهن شبابنا باعتبارها جسدا ساهم بقوة في ممارسة التحرش بالمرأة دون خجل بل واحيانا يأخذ شكل فروسية معلنة بتحد صارخ للمجتمع ولنا في تصوير البعض جرائمه ونشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي خير شاهد... اقدر كثيرا عقاب شرطة مدينة جدة لبعض المتحرشين بالنساء في احد الاسواق وجلدهم في مكان عام ردعا لهم وتأكيدا لسيادة القانون. ولكن لن يصلح حالنا الا باعادة النظر في خطاب مختزلي علاقة المرأة بالمجتمع عموما والرجل خصوصا في العلاقة الجسدية فقط... منكرين عليها تنوع دورها الديني والدنيوي فهي ايضا خليفة الله في ارضه مع اخيها الرجل لتعمير الارض وليس افسادها... فهي الام والاخت والزوجة والابنة وهي ايضا الطبيبة والمهندسة والمعلمة والداعية.. وايضا ستصلح الحال بقانون ضد التحرش قانون قوي ويتم تطبيقه بفاعلية قانون يشهر بمن تسول له نفسه ان يسيء لغيره قانون يؤكد سيادة المؤسسة الامنية وليس الرؤى الفردية.. شبابنا ليس الاسوأ ولكن البعض للاسف يزرع داخله تلك الصورة ثم يهدد المجتمع به.
مشاركة :