حتى عهد قريب كان الناس يفترشون الجرائد اليومية لتقوم مقام السفرة، يتناولون طعامهم عليها ويسهل طيها والتخلص منها. ومرّ زمن كان الخبازون يحتفظون برُزم من الصحف اليومية ليُقدموا فيها الأرغفة الحارة لأهل الحارة. وبعد أن تبيّن ضرر الأحبار الملتصقة على الرغيف الحرارة تُسهل امتصاص الأحبار بادرت البلدية إلى منع هذه الممارسة. والمفارقة المثيرة للعجب أن الإنجليز دأبوا على تفضيل استلام وجبتهم الشعبية (السمك والبطاطس) Fish & Chips ملفوفة بورق الصحف، حتى عهد قريب جدا، ولا زالوا كذلك في القرى والضواحي. تقول الأدبيات عن الصحافة وتاريخها إنها أخذت اسمها الأجنبى Press من تاريخها العملي حيث كانت الأحرف تُعدّ من الطين المصهور ويجري ضغطها press على ألواح، ثم ينسخها الناس يدوياّ ويبيعونها في الموانئ كي تنتقل الأخبار عبر السفن وركابها من بلد الى آخر. قال بعض المتندّرين من الناطقين بالإنجليزية إن كلمة Press هي مصدر كلمة. Pressure أي الضغط لكون الصحافة إحدى المهن المسببة للضغط..! وتوزيعيّا، يجد المهتم صحف الأحد البريطانية (عطلة نهاية الأسبوع) تزن الواحدة منها قرابة الكيلوغرام. لكثرة المعلنين لعلمهم - أي المعلنين - أنها صحافة مقروءة بسبب ما تكتبه من قصص فضائحية وغيرها من أخبار الجنس والابتزاز والرشوة والفساد المالي الذي يأتي بأسماء وصور من داخل بريطانيا وخارجها. ولن يستطيع "الضحية" المقاضاة بسبب دقة المعلومات وقوة وثائقها. ازدادت عملية البحث عن المآسي والكوارث والأخبار في النصف الثاني من القرن المنصرم. رافق ذلك تقنيات التصوير والتنصّت وامتلاك الطائرات المروحية. وأسقطت الصحافة قوى حاكمة (قضية ووترغيت ليست بعيدة). والآن التواصل الإجتماعي و "ويكيليكس" أمضى سلاحاً. لاحظتُ أن كتاب "نوادر جحا" يوزّع أكثر من كتاب المتنبي، في الأسواق المركزية عندنا. وأن المجلات الفصلية الشعرية والفنية منها، ذات الورق الصقيل والثمين جدّا أسعارها أكبر من أسعار المجلات الدورية العلمية والأدبية. كذلك فإن رواج كتب الطبخ ليس له صلة بالمعدة - كما أرى -، لكنه يرتبط بفئات عمرية مقبلة على الزواج. لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net