(الحَجّ مَدرسة)، ربما يُكرِّرها البعض لفظيًا دون أن يُمْعِنَ النظر في تفاصيلها ومدلولاتها، ومعانيها ومُخْرَجَاتِهَا؛ فنعم (الحَجّ مدرسة) قَولًا وفِعْلاً على أرض الواقع، لا مجرد تنظير وأفكار سطحيّة! ولعل أوّلَ الدروس التي تقدمها (تظاهرة الحَجّ) للعَالَم أجمع، التأكيدُ بأنّ (الإسلام دِيْن عَدل ومساواة بين الناس). فإذا كان العَديد من الشعوب تُعاني اليوم في بلدانها من الاضطهاد والعنصرية والطبقية بشتى صورها؛ فإن (الحَجّ) يرفع راياته ويُنَادِي: في حَضْرَتِي (الناس في الإسلام سواء وإنْ اختلفت جنسياتهم وأعراقهم وانتماءاتهم وألسنتهم وألوانهم ومرجعياتهم الثقافية والاقتصادية)! فخلال أيامه ولياليه تطبيق ميداني لقوله عَزّ وجَل: (إنما المؤمنون إخْوَة)؛ أخوة إنسانية في أسمى معانيها؛ أخوة صادقة تذوب فيها كُلّ الفوارِق، لِتأتي الألفة والمحبة والتعاون والنقاء، أخوة نابعة من القلب، تُنَفِذها طَوَاعِيَةً الجوارح؛ فـ(الغَايَةُ والشعائر والتحركاتُ واحدة، واللباس واحد، ولُغَة التَلْبِيَة والدعاء مشتركة بين الحَجيج كلهم، والمكان والزمان ظرفان يحتضنان الجميع في طمأنينة وسكون رغم الزِّحَام)، فلا فَرق بين إنسان وآخر إلا فيما يقدمه لنفسه بين يدي الله تعالى! و(موسم الحَجّ) إذا كان فيه البرهان السّنوي للدّنيا كلها بأن (الإسلام دِيْن الإنسانية والعَدل والمساواة بين البَشَر)؛ فإنه في الوقت نفسه، فعاليةٌ رائعةٌ تجمع المسلمين وتُوحِدهم بعيدًا عن تلك الصِرَاعات الفكرية والطائفية والمذهبية والسياسية التي أصبحت اليوم أدوات لمحاولة تَفْتِيْتِهم؛ وبالتالي لابد من الإفادة منها -أعني فعالية الحَجّ- والبناء عليها للانطلاق نحو زراعة وحِدة إسلامية صادقة وفاعِلَة! فالملايين العائدون من حَجِّهم عليهم أن يستوعبوا درسَه الذي عاشُوه لبضعة أيام وليال، وفيه التأكيد على أهمية وإمكانية الوحْدة والمساواة بين المسلمين، وأن يحملوا مفردات ذلك الدّرس تطبيقًا عمليًا في مجتمعاتهم! أما القيادات السياسية والفكرية والثقافية في العَالَم الإسلامي، وكذا وسائل الإعلام فمسؤوليتها الإفادة من (الحَجّ) في ترسيخ قاعدة المساواة بين الناس، وكذا في غَرس الوحدة الإسلامية، ونشر المفاهيم والمُسَلّمَات والمشتركات التي تُوَحِد المسلمين وتجمعهم، والبُعد عن العصبيات والعنصريات وخلافات الهامش التي قد تؤدي إلى تُمَزّقهم! aaljamili@yahoo.com
مشاركة :