يرتفع القلق يومياً بشأن إمدادات الغذاء العالمية بشكل عام، وتزداد حدته في ظل عدم استقرار وتيرة سلاسل التوريد التي تشهد اضطراباً كبيراً منذ تفشي وباء «كورونا». الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتعثر الحلول السياسية السريعة لها، قفزت (كما كان متوقعاً) بأسعار الغذاء في الشهر الماضي بنسبة 20.7% على أساس سنوي. وهذا الارتفاع لا يحدث في الواقع، إلا في ظل مواجهات بين طرفين يمثلان ثقلاً عالمياً على صعيد توريد السلع الغذائية، لاسيما الرئيسة منها. بحسب منظمة الأغذية والزراعية العالمية «فاو»، تشكل الصادرات الروسية والأوكرانية من القمح ما نسبته 25% من مجموع الصادرات الدولية، و16% في صادرات الذرة، وفي ظل التوتر الحاصل بين هذين البلدين كان طبيعياً أن ترتفع أسعار الحبوب بشكل عام، في وقت كانت فيه الأمور تسير باتجاه استقرار هذه الأسعار. هذه الزيادة المستمرة لأسعار الغذاء، ساهمت فوراً في رفع معدلات التضخم حول العالم بما فيها البلدان المتقدمة، التي تعاني أعلى مستوى للتضخم منذ أكثر من أربعة عقود، في الوقت الذي لا تزال تحاول فيه كبح جماح هذه الآفة، عبر الإقدام على رفع الفائدة، رغم آثارها السلبية على النمو. لكن المشكلة الأهم من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، تبقى دائماً تلك المتعلقة بالأمن الغذائي. فإذا استفحلت الحرب بين طرفين موردين أساسيين للحبوب وزيوت الطعام وطال أمدها، سيكون هناك نقص خطير في الإمدادات، حتى إن بعض السياسيين في الهند دعوا مواطنيهم قبل أيام لتخزين الطعام، خوفاً من نقص الإمدادات أو حتى توقفها، في حين أسرعت بعض الحكومات حول العالم لطمأنة مواطنيها بحذر شديد. التقديرات بارتفاع وتيرة إنتاج الحبوب في العام الجاري (بحسب «فاو»)، صار مشكوكاً فيها إذا لم تحل الأزمة الأوكرانية الروسية بأسرع وقت ممكن. فالمسألة لا تتعلق فقط بإنتاج وتصدير الغذاء، بل تشمل أيضاً توفير الممرات الآمنة لها في ظل حرب لم تكن متوقعة أساساً. وارتفاع أسعار الغذاء بسبب نقص الإمدادات، يعني زيادة معدلات الفقر في البلدان التي تدخل في قوائم الدول الأشد فقراً، بل وحتى الدول النامية التي لا تتمتع أساساً بقدرات مناسبة لإنتاج الغذاء بشكل عام. ويؤكد صندوق الأمم المتحدة للتنمية الزراعية «إيفاد»، أن العملية العسكرية في أوكرانيا، لم تتسبب فقط بارتفاع أسعار الغذاء، بل ونقص المحاصيل الأساسية في أجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الحق أن أسعار الغذاء للعام الماضي لا تزال أعلى من تلك التي سُجلت في الشهر الثاني من العام الحالي. ففي سنة 2021 بلغت الأسعار أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات، وكان ذلك مفهوماً بحكم ضربات «كورونا» على الساحة الاقتصادية بشكل عام. لكن مع الحرب الدائرة في أوروبا، وتعثر سلاسل التوريد، ربما تتجاوز الأسعار مستويات العام الماضي، ما سيزيد من الضغط على تكاليف العيش في كل البلدان دون استثناء، ويعزز ارتفاعات آفة التضخم المخيفة التي لا ترحم.
مشاركة :