يبدو أن الأخبار الجيدة القليلة على الساحة الاقتصادية العالمية، آتية من ساحة الغذاء في العام الجديد. وهذه النقطة تمثل محوراً يؤرق صانعي السياسات حول العالم، لا سيما بعد أن شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً بلغ 14.3% في العام الماضي، لتسجل أعلى مستوى لها منذ 1990. والسبب وراء هذا الارتفاع يعود بالطبع إلى الحرب في أوكرانيا وآثارها في سوق الغذاء العالمية، فكل من روسيا وأوكرانيا تساهم فيما يقرب من 40% من مجموع صادرات الحبوب الأساسية العالمية. بمعنى، أن أي اضطراب بين هذين البلدين سيؤثر تلقائياً على الإمدادات، وهذا ما حدث بالفعل في العام الماضي، وأدى إلى حجز شحنات بملايين الأطنان، قبل إطلاقها نتيجة مفاوضات أجراها طرف ثالث مع الطرفين الأساسيين. ومشكلة العام الماضي لم تكن محصورة بنقص السلع الغذائية الأساسية فحسب، بل شملت حتى الأعلاف والأسمدة، ما أضاف ضغوطاً ومخاطر على دول تستوردها، وتعتمد عليها في إنتاجها المحلي. ورغم أن الصراع الحاصل في أوروبا الذي يُعد الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية لم ينته بعد، ويمكن أن يواجه العالم في مرحلة ما محنة جديدة على صعيد الإمدادات، إلا أن المؤشرات كلها تدل على تراجع أسعار الغذاء على المستوى العالمي هذا العام، مع تحسن الأداء الزراعي في كل الأرجاء، باستثناء بعض المناطق المعروفة تقليدياً بأزماتها على صعيد تأمين الغذاء في كل من آسيا وأفريقيا. وهذه النقطة تثير القلق لدى المسؤولين في المنظمات الدولية المعنية، التي ترى أن انخفاض أسعار الغذاء، ينبغي أن تشجع على تخزين الغذاء في هذه الدول، ودعمه من جانب البلدان المانحة. ومع الإشارات الإيجابية على صعيد أسعار الغذاء، هناك أخرى تقلل من حالة «الفرح» العامة، تتعلق بالارتفاع الذي لم يتوقف بعد لأسعار المستهلكين «التضخم» على مستوى العالم أيضاً. ما يعني أن الأسعار المخفضة للغذاء وغيرها، لا تضمن سهولة الوصول إليها، في ظل موجة تضخمية لم تحدث منذ عقود. وفي كل الأحوال، هناك أمل في أن يساهم الإنتاج الزراعي المحلي في دول تستورد السلع الغذائية الأساسية، في التخفيف من ضغوط التضخم هذا العام، فضلاً عن رفع مستوى الدعم الغذائي للدول الفقيرة أو تلك التي توصف عادة بـ «الأشد فقراً». الآمال معلقة أكثر في هذا المجال، على انتهاء الحرب في أوكرانيا؛ لأن ذلك سيعيد أسعار الحبوب وزيوت الطعام والأسمدة والأعلاف إلى ما كانت عليه قبل انفجار جائحة «كورونا» وبعدها الحرب المشار إليها، وستخف بالتالي الضغوط الحياتية ليس فقط على شعوب البلدان الفقيرة، بل في الدول الغنية أيضاً التي تواجه هي الأخرى الموجة التضخمية ذاتها. وانخفضت أسعار الحبوب في الأيام الأخيرة من العام الماضي بنسبة 1.9%، ورغم كونها بسيطة، إلا أنها تعد نقطة انطلاق نحو تراجع الأسعار هذا العام. فأي انخفاض في هذا الوقت بالذات يُعد في النهاية قوة دفع عالمياً، لعودة التوازن في أسعار السلع الغذائية بشكل عام.
مشاركة :