المساحة الزمنية المتوقعة لإطلاق بريطانيا عملتها الرقمية «بريتكوين» طويلة. فإذا ما قدر لها الظهور لن يكون ذلك قبل عام 2030. والتحرك الحالي لبنك إنجلترا المركزي، لا يزال ضمن نطاق تحديد الحاجة لهذه العملة، بينما تواصل البنوك المركزية في الدول المتقدمة تجاهلها، حتى أنها تعيش حالة ارتباك حيال العملات المشفرة بشكل عام. بل يهاجم بعضها هذه العملات، وفي مقدمتهم البنك المركزي الأوروبي، الذي ترى رئيسته كريستين لاجارد «المال الإلكتروني» بصيغه الحالية خطيراً في الساحة المالية بشكل عام؛ لأنه لا يستند إلى أي شيء على الإطلاق، بحسب تعبيرها. لكن يبدو واضحاً، أن مسألة أهمية هذه العملات باتت تمثل نقطة شبه دائمة في جداول أعمال المشرعين الماليين في هذا البلد أو ذاك. هنا يمكن فهم التحرك الأخير للمشرعين البريطانيين الذين تمكنوا من بناء علاقة غير متوترة مع الحكومة، لا سيما في أعقاب الفوضى التي خلفتها حكومة ليز تراس الصيف الماضي، وأدت إلى استقالتها بعد 44 يوماً من وصولها إلى منصبها. وهذا التحرك، يأتي في الواقع وسط اضطرابات لم تشهد ساحة العملات الرقمية مثيلاً لها منذ إطلاقها في عام 2009. ففي السنة الماضية، تم إغلاق عدد كبير من بورصات العملات المشار إليها، خوفاً من انهيار مالي جديد لا يمكن للاقتصاد العالمي تحمله في ظروف صعبة يمر بها، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار نسبة كبيرة من الاستثمارات فيها تمت عبر الاقتراض، بهدف تحقيق أكبر ربح ممكن في أسرع وقت. ففي بداية العام الماضي بلغت القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة 2.2 تريليون دولار، لتصل في نهايته إلى 800 مليار دولار فقط! وهذا الفارق بحد ذاته يُبقي جرس الخطر في الساحة. ولعل ذلك يمثل دافعاً قوياً في بريطانيا وغيرها من الدول الأخرى لإطلاق عملاتها الخاضعة للوائح المقيدة الضامنة لأموال المستثمرين فيها، خصوصاً مع بقاء العملات المشفرة الحالية خارج نطاق هذه اللوائح، وبالتالي لا توجد سيطرة من جانب المشرعين. فكرة «بريتكوين» ليست جديدة، وتعود لأيام وجود رئيس الوزراء البريطاني الحالي ريشي سوناك وزيراً للخزانة في حكومة بوريس جونسون السابقة، الأمر الذي يفتح الآفاق لتناغم ما بهذا الخصوص، بين البنك المركزي والحكومة الحالية، بالرغم من أوضاعها السياسية والانتخابية الصعبة، والتي قد تؤدي لوصول حزب العمال إلى السلطة في الانتخابات العامة المقبلة في غضون أقل من عامين. ولأن «العمال» بقيادتهم الحالية باتوا منفتحين على حراك السوق بصورة عامة مقارنة بقيادتهم السابقة، فإن مشروع بناء «بريتكوين» لن يتوقف في السنوات المقبلة. الضمانات المبدئية التي يريد المشرعون في لندن التأكيد عليها في هذه المرحلة الأولية، تشمل نقطة مهمة للغاية بالنسبة لهم وللناخب البريطاني بشكل عام، وهي أن هذه العملة ستكون مكملة للحراك المالي التقليدي المتمثل بوجود العملات التقليدية، وسط إشارات تأتي من هنا وهناك بأن العملات المشفرة ستحل تماماً مكان العملات التقليدية في مرحلة ما من القرن الحالي.
مشاركة :