بعد الإعلان عن تعثر مصرفين أميركيين نهاية الأسبوع الماضي، هما «سلفيرجيت» و«سيلكون فالي»، تذكر الجميع ما حدث في الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في 2008، والتي سرعان ما تحولت إلى أزمة اقتصادية دولية عامة. فمؤشرات انهيار المصارف في ذلك العام بدأت تصعد بسرعة فلكية، كما أنها انطلقت بانهيار مصرف «ليمان برازرز»، البنك الهائل والمتخصص أساساً في توفير القروض العقارية المختلفة. من هنا، لن يتسبب المصرفان المتعثران حديثاً بأزمة تشبه تلك التي حدثت قبل 13 عاماً تقريباً. المصرفان لا شك أربكا المشهد العام، ولاسيما مع تعرض بورصة «وول ستريت» إلى تراجع خطير بلغ 2%، وهو الأكبر منذ الأزمة التي خلفتها جائحة «كورونا» في عام 2020، إلى جانب تأثر هذه السوق المحورية بمسار الفائدة الأميركية التي من المرجح أن تواصل الارتفاع في المراجعة الجديدة للمجلس الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي» في الشهر الحالي. البنوك الكبرى تظل في مأمن، ولكن لا مانع من نظرة قلق على مسار النظام المالي بشكل عام، خصوصاً في ظل عدم وضوح الرؤية في السياسات الاقتصادية الراهنة، التي لا تزال خاضعة لمؤشرات الفائدة، وستبقى هكذا حتى يتم التمكن من السيطرة على الموجة التضخمية الراهنة. فرئيس «الفيدرالي الأميركي» جيروم بأول، لا يتحدث عن تجميد رفع الفائدة، بل عن مستوى رفعها، إذا ما كان ربع أو نصف نقطة في المراجعة المقبلة. وهذا ما يتسبب في الواقع في الاضطراب الذي تشهده أسواق الأسهم، بعد «هجرة» موجة كبيرة من رؤوس الأموال إلى البنوك من أجل الاستفادة من العوائد المالية الآتية من الفائدة المرتفعة، بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المودعون أن أموالهم أكثر أماناً في المصارف منها في الأسهم، خصوصاً في هذه المرحلة. النقطة الأهم في تعثر «سلفيرجيت» و«سيلكون فالي»، تكمن في أنهما منكشفان بصورة كبيرة على العملات الرقمية المختلفة. المصرف الأول أعلن عن عزمه إغلاق عملياته، نتيجة الخسائر التي تكبدها في تمويل شركات العملات المشفرة، في حين أن المصرف الثاني، اضطر لبيع أسهم بقيمة كبيرة من أجل الحصول على مزيد من السيولة في أعقاب سحوبات سريعة وكبيرة من قبل المودعين. إنه السيناريو التقليدي لتعثر بعض المصارف. والذي يزيد الأزمة تعقيداً، عدم استقرار سوق العملات الرقمية، الذي يؤدي تلقائياً إلى مشاكل لدى النبوك الممولة أو الضامنة في هذه السوق. في نهاية الأسبوع الماضي هبطت قيمة هذه العملات بنسبة اقتربت من 4%، ونزّلت الإجمالي العام لها إلى مستوى لافت جديد عند 969 مليار دولار، في حين تكبدت عملة «بتكوين» خسائر بلغت 20 ألف دولار لكل وحدة! لا يمكن إبعاد هذا التأثير السلبي للعملات المشفرة عن أداء بعض البنوك، ما سينشر مزيداً من القلق في الأوساط المصرفية، على الرغم من أن الأمور لا تزال تحت السيطرة. لكن طبيعة النظام المصرفي بشكل عام، تجعله يتسم بالحساسية المبالغ فيها أحياناً، والواقعية في كثير من الأحيان.
مشاركة :