د. إيمان بقاعي |ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019] (أ) الجدّة (بحماس): حبيبي يا سمسومةَ قلبي! جدُّكَ وصلَ، جدُّكَ وصلَ. سامي: سمعتُ صوتَ إغلاقِ البابِ. الجدّة (مشجعةً إياهُ بصوتٍ هامسٍ): أخبرْهُ عنِ القُفّازينِ الصّوفيينِ الأزرَقَيْن. سامي (بتواضع مفتَعَل): جدتي، لا تضخِّمي الأمورَ! الجدّة: أضخِّمُها؟ بالعكسِ يا سامي، يجبُ أن يفخَرَ أحدُنا اذا ما قامَ بعملٍ جيدٍ، ويجبُ أن ينشرَه بين النّاسِ حتى يكونَ عملُهُ مثالًا أعلى. الجدّ (يدخلُ إلى الغرفةِ): مرحبًا! الجدّة: وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا! سامي: كما قالَتْ لكَ تيتا مُهيبة. الجد: ما قالَتْ؟ سامي (يضحك): أهلًا وسهلًا! الجدة: بل: وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا! سامي: وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا! الجد (يضحك): أهلًا وسهلًا بكَ يا فرحةَ البيتِ. سامي: أنتما فرحةُ البيتِ. الجدة: سَلِمْتَ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ. الجدّ: كأني سمعْتُ أثناءَ حديثكما: (مثالًا أعلى) و(بين النّاسِ) و(يفخَرُ)…. الجدّة (بفخرٍ): نعم، نعم! سامي (متوسلًا بصوت ناعم وخجول): تيتا مُهيبة! الجدّة (بثقة): يبدو أن سامي- تواضُعًا- لا يريد إخبارَكَ؛ لذلكَ، سأخبرُكَ أنا يا جدو عزيز. سامي (مستدركًا): بل سأخبرُهُ أنا يا تيتا مُهيبة. الجدّ ( يجلس ممازحًا حفيدَه): هاتِ أخبرني يا سمسومةَ قلبِ جدَّتِكَ مُهيبة خانم! (ب) سامي (يسأل جدَّه): تذكُرُ- يا جدو عزيز- القفازَينِ الصُّوفيَّينِ اللَّذينِ حاكَتْهُما لي جدتي قبلَ سنتينِ؟ الجدّ (متظاهرًا بأنه لا يذكرهما): إمْ… القُفازانِ الصُّوفيّانِ؟ القُفازانِ الصُّوفيّانِ؟ سامي: نعم! الجدّ: اللَّذانِ حاكَتْهُما لكَ جدتُكَ؟ اللَّذانِ حاكَتْهُما لكَ جدتُكَ؟ سامي (بنفاذِ صبرٍ): نعم! الجدّة (تتدخلُ مستعدة لشجارٍ ما): لا يذكرُهما، طبعًا لا يذكُرُهُما! الجدّ (يقاطعُها مخاطبًا حفيدَهُ ويمط كلامه ممازحًا زوجته): يا سامي، يا حبيبي، قلْ لي: مَن مِن العائلةِ والجيرانِ وأهلِ بيروتَ لا يذكُرُ؟ بل مَن من الكرةِ الأرضية لم تصل إليه صورتهما عبر الفيس بوك والبريد الإلكتروني، وتويتر، وانستغرام، و… الجدّة (تخاطب زوجها بتحدّ): نعم؟ ما تقصدُ بالضّبطِ؟ الجدّ (مستدركًا): لا أقصدُ إلا الخيرَ! القُفازانِ الأزرقانِ الصُّوفيانِ! الله ما أجملَهما! الجدّة (كمن تفشي أمرًا عسكريًّا): المهمُّ، وباختصار، وبدون أن يسرِقَ الوصفُ متعةَ الحَدَثِ، ضاعَ قفازٌ منهما. الجدّ (يشهق مخاطبًا حفيده): كيفَ؟ كيفَ ضاعَ؟ سامي (لجده): وقعَ من حافلةِ المدرسةِ بينما كنْتُ أحملُهُ. الجدّة (بحماس): ورآهُ سامي وهو يقعُ. الجدّ (يشهق ثانية): يا إلهي! وكيف لجدتِكَ أن تفخَرَ بعد اليومِ بقفازٍ أزرقَ واحدٍ أمامَ العائلةِ والجيرانِ وأهلِ بيروتَ؟ و… و…؟ كيفَ؟ قلْ لي كيفَ؟ الجدّة (تتحدى زوجَها): أفخَرُ، نعم، لا بقفازٍ أزرقَ واحدٍ، بل بصاحبِ القفازِ الذي، ولشدةِ ذكائِه وإنسانيتِه… سامي (مقاطعًا متوسلًا): تيتا مُهيبة… الجدّ (متضايقًا من زوجته): أكملِ القصةَ أنتَ يا سامي! سامي: سارعْتُ إلى رمي القُفازِ الثَّاني. الجدّة (للجد): تصوَّرْ! الجدّ (بدهشة): أتصورُ؟ ماذا أتصورُ؟ سامي: لكي يجدَهُما طفلٌ غيري… الجدّة (تخاطب زوجها بفخر): أسمعْتَ؟ لكي يجدَهُما… الجدّ (بعد تفكير): تقصدُ: معًا؟ الجدّة: طبعًا! وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ، فإنما يدلُّ على… سامي: في الحقيقةِ يا جدتي مُهيبة، أنا لمْ أقمْ بعملٍ عجائبيٍّ، بل كلُّ ما قمتُ بهِ كانَ مُحاكاةً لقصةِ فيلمٍ كرتونيٍّ رأيتُهُ قبلَ مدةٍ وأثّرَ بي. الجدّة (ممتعضة): ماذا؟ سامي: يتحدثُ الفيلمُ عن السّياسيّ الهندي الذي أحبُّ: المهاتما غاندي. الجدّ (باهتمام): قلتَ عن المهاتما غاندي يا سامي؟ الجدّة (تستعيدُ بعضًا من فخرها): قلتَ المهاتما غاندي صاحبُ نظريةِ اللَّاعنف يا سامي؟ سامي (يسألهما): بالضّبط، أتريدانِ أن أُخبرَكما القصةَ؟ الجدّة والجدّ: طبعًا! (ت) سامي (يحكي): رأيتُ في الفيلمِ هذا الحكيمَ وهو يستعدُّ كي يستقلَّ قطارًا من مدينتِهِ إلى مدينةٍ أخرى بعيدةٍ، عندما وقعَتْ فردةُ حذائِهِ على رصيفِ القطارِ بينما هو صاعدٌ إليه. الجدّ (باهتمامٍ): أكملْ يا سامي! الجدّة: أكملْ! سامي: وكانَ من غير الممكنِ طبعًا أن ينزلَ من القطارِ ليلتقطَها… الجدّ: ومنْ غيرِ الممكنِ أنْ يفكرَ طويلًا كي يتّخذَ قرارًا. الجدّة: إذنْ؟ الجدّ: فعلَ مثلَكَ؟ سامي (مؤكدًا): بلْ فعلْتُ مثلَهُ. الجدّة (بدهشة): رمى فردةَ حذائِهِ الثَّانيةَ؟ سامي: نعم! فقدْ رمى الفردةَ الثَّانيةَ كي يستفيدَ منها أحدٌ ما، مبررًا فعلَتَه تلكَ بأَنَّه إن احتفظَ بالفردةِ، فلا هو يستفيدُ منها ولا مَن يجدُ الفردةَ الثَّانيةَ. الجدّة (بفرح): يا حبيبَ قلبِ جدَّتِكَ! الجدّ (بفرح): أتعرفُ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ ما الذي أسعدَني؟ سامي: تفضلْ يا جدو عزيز! الجدّ: أسعدَني أنَّ ما رأيتَهُ أو سمعتَهُ لم يمرَّ مرورَ الكرامِ، بلِ استفدْتَ منه في حياتِكَ اليوميةِ. الجدّة (بفخر): استفادَ وأفادَ. الجدّ: وهذه الفائدةُ يا سامي هي التي تميزُ شخصًا يقرأُ قصةً أو يسمعُها عن شخصٍ آخرَ كأنَّهُ لا قرأَ ولا سمعَ. الجدّة (تخاطب سامي): ومكافأةً لكَ يا حبيبي… الجدّ: ستصنعينَ لنا قالبَ حلوى؟ الجدّة (تصوّب قولَ زوجِها): أنا قلتُ: مكافأةً “لكَ”، لا “لكما”. الجدّ (مستدركًا): آه! ستصنعينَ “لهُ” قالبَ حلوى، وأنا أشمُّ رائحتَهُ فقط. الجدّة: بلْ… سامي: بلْ؟ الجدّة (كأنها تفجرُ مفاجأة): سأصنع لهُ قُفازينِ جديدينِ. سامي والجدّ معًا: أزرقينِ! الجدّة: أزرقينِ. الجدّ: ومبارَكٌ للطّفلِ الذي وجدَ قُفّازَيِّ سامي الأزرقينِ على الطَّريقِ. الجدّة: مباركٌ من كلِّ قلبي. سامي: ومن قلبي. الجدّ: واحتفالًا بالمناسبةِ، نطالبُ بقالَبِ حلوى.. أقصدُ: سامي يطالبُ بقالبِ حلوى. (سامي وجدته يضحكان).
مشاركة :