لا أعرف لماذا يخطر لي «القرقيعان» هذه الأيام مع التصعيد الأميركي - الإيراني في «منطقتنا»؟ وأقول التصعيد وربما ما بين الكتابة والنشر أي خلال 24 ساعة يحدث الكثير على أرض الواقع بعد أن حدث على أرض الإعلام وساحات الوغى، عفواً أقصد ساحات «تويتر». و«القرقيعان» لمن لا يعرفه هو «عادة» للسعوديين من سكان المنطقة الشرقية للاحتفاء بانتصاف شهر رمضان المبارك، وتعد موروثاً شعبياً أصيلاً في المنطقة ودول الخليج المجاورة، وهو تقليد خلع عباءة البساطة، وارتدى عباءات البذخ والمباهاة، وفيه «كان» الأطفال يطوفون المنازل وهم يرددون الأهزوجة الشهيرة: «قرقيعان، قرقيعان، بيت قصير ورمضان، عاد عليكم الصيام، كل سنة وكل عام»، حيث يطرقون الأبواب وبأيديهم أكياس بالحلوى والمكسرات، أما اليوم فلا عادوا ينشدون، ولا يطوفون، وأصبحت أكياسهم أقل بهجة. ربما يخطر لي هذا التقليد لأن اسمه مشتق – على أغلب الآراء – من قرع الأطفال للأبواب، أو من «القرقعة» التي يحدثها الأطفال في تجمعهم وجولاتهم وصخبهم، وعراكهم على «الغلة» من الحلوى أو غيرها، وهي أشياء ليست بعيدة عن طرفي النزاع – إن صحت تسميته كذلك- فالولايات المتحدة وإيران كلاهما يقرع الأبواب التي يعرفون والتي لا يعرفون، وكلاهما يريد الحلوى، وإن اختلفت نكهاتها، أو مسمياتها. لا أحد يتمنى الحرب، لكن الأمنية أن يردع أحد هذه «الإيران» لتفيق وتعرف أن تطويق دول الخليج تمهيداً لفرض الهيمنة عليها لن يحدث أبداً، ليس فقط لأن الحلفاء أو الحليف سيمنع ذلك، بل لأن دول الخليج بقيادة السعودية لن ترضى بذلك، ولم ولن تتوقف عن تقوية نفسها للحيلولة دونه أيضاً. جنون العظمة أو انفصام الشخصية السياسي الذي يصيب إيران وملاليها، ويجعلهم يكرّسون مقدرات بلادهم لتخريب بلاد الغير، بينما إيران منخورة من الداخل وفي انتظار أي قشة تشعل الشارع الإيراني في حريق لن تطفئه «الحوزات» والعمائم، التي ما عادت تستطيع التفسير والتبرير أكثر من ذلك. سواء ضربت أميركا أم غيرها، أو لم تفعل، سينهار هذا النظام يوماً، وسيجد أمامه دولاً كبرت ونضجت وشبّت عن طوق الحليف، وباتت هي قوة مقابلة وقاهرة بإنسانها الذي احترمت، وجوارها الذي راعت، وتقدمها في ميادين القوة الاقتصادية والتقنية ارتكازاً على شعب ملتف حولها، يحبها، من دون صراخ ثوري غبي، ومن دون اضطهاد ديني متشدد وخانق، فقط بالوطن والمواطنة. لن تتوقف ألاعيب السياسة والابتزاز، ولن يفرط الأميركان في فزاعة المنطقة إلا إذا كانوا في طور إخراج أو صناعة فزاعة جديدة، لكن المهم أن البناء في السعودية والخليج لا يتوقف، وأنها اليوم أقوى من أمس، وفي الغد أقوى من اليوم بإذن الله. سترضخ إيران، ربما لأميركا، وربما للواقع، ولعله للعقل، شاءت أم أبت، فالحروب بالوكالة عنها لن تستمر على رغم ذكائها وخبثها، والآيديولوجيا تتداعى أمام حاجات الإنسان الإيراني للعيش الكريم والعصري والمسالم الذي يريده لنفسه وأبنائه.
مشاركة :