ماذا تصنع فاطمة؟ - اميمة الخميس

  • 3/10/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أعتقد أن مثلث النجاح يقوم على ثلاثة أضلاع: أولاً: أن تحلم أحلاماً باذخة وباهظة وأحيانا مخيفة. ثانياً: أن تمتلك الذكاء والدأب وأيضا الجرأة على تأبط تلك الأحلام في الدروب الوعرة ما بين أرض الحلم والواقع. ثالثاً: أن تجعل الجميع يلتفتون ويتحدثون عن نجاحك لأن هذا بدوره سيفتح لك آفاقا لامتناهية من الفرص والخبرات الجديدة التي تضمن لنجاحك الديمومة والاستمرارية. فإن كانت فاطمة الحسين مديرة مكتبة الملك عبدالعزيز منشغلة دوما بأحلامها الواسعة الشاسعة، تستغرقها حالة من الوجد والدأب لنقلها لأرض الواقع (ودائما تصل)، إلا أنها من ناحية أخرى لم تبذل اهتماما كبيرا بالضلع الثالث من ثالوث النجاح وهو استجلاب الاهتمام والأنظار لمشروعها الوطني الكبير عن ومن أجل الطفولة، قد تكون هي تكتفي بالحكمة المترفعة النبيلة (دع أعمالك تتحدث عنك) وهي حكمة في الواقع لم تعد تجدي في عصرنا الحالي الذي بات فيه الإعلام ليس فقط شاعر القبيلة.. بل القبيلة كلها. على حين من مشاهدة قريبة تبدى لي قليل من الكثير الذي يحدث لدى فاطمة. فقد كان بإمكان مكتبة الملك عبدالعزيز أن تظل مكتبة تقليدية شاحبة تراوح على وقع حضور وانصراف الموظفين، حيث يصطفون مع زوارها على مقاعدهم كما تصطف الأرفف على الكتب وسط صمت ثقيل لا يقطعه سوى تثاؤب الكتب. لكن يبدو أن فاطمة لديها حلم فادح يجعلها لا ترضخ للنمطي المريح، فعلى الرغم من ارتيادي المستمر لأنشطة المكتبة، لا أستطيع أن أمنع نفسي من الدهشة في كل مرة وأمام كل منعطف تخبئ فيه المكتبة ينبوعا لروادها. من المحاضرات والأنشطة مناقشة الكتب والبرامج الموجهة للسيدات وللمراهقات وورش العمل والإصدارات، ولكن قبل كل شيء الاحتفاء بعالم الطفولة.. فذلك الطفل الذي لم نكتشف وجوده ككيان مستقل بيننا إلا مؤخرا ولم نبالِ بحقوقه إلا قبل سنوات قصار بعد أن أزلنا الستار عن الكثير من ممارستنا السادية ضده، ولم نعِ أنه على رأس هذه الممارسات.. الإهمال.. النفسي.. والفكري.. والعاطفي.. حتى من قبل المؤسسات التي على احتكاك مباشر بالطفولة فمثلا في وزارة التربية والتعليم تسمع بإدارات ولجان للطفولة ولكن لا ترى طِحنا، ووكالة الثقافة أيضا تبدو تحركاتها في هذا الاتجاه مهلهلة متقطعة بلا رؤية أو جودة نوعية. ولكن ما يحدث في مكتبة الملك عبدالعزيز يعيد تأسيس ثقافة الطفل بالمملكة بشكل مدهش والحقيقة لا أدري من أين أبدأ؟ فهناك عضوية (نادي كتاب الطفل) حيث خلال مبلغ رمزي تصل لأي طفل في المملكة حزمة من الكتب الممتعة إلى باب منزله، هناك على أرض المكتبة يوجد مسرحيات هادفة للطفل مع استثمار التقنية الحديثة حتى حدودها القصوى، يوجد برنامج أصدقاء لكتاب الطفل، يوجد ورش تدريب للأمهات لجعل علاقتهن بأطفالهن مثرية ومليئة بالمتعة، هناك جولات دورية على المدارس، هناك إصدارات لكتب الطفل وترجمات تمثلنا في المحافل الدولية، وورش تدريب للكتابة والرسم للطفل.. سأتوقف لأنني لن أستطيع أن أقول كل شيء أو ألملم الكثير من زوايا الذاكرة مما حدث ويحدث هناك.. ولأنني لا أود أن أبخسهم حقهم.. سأتوقف. ولكنه قد يكون فقط جزءا يسيرا مما تصنعه فاطمة في مكتبتها.. في كل مرة أذهب هناك.. أخرج بشتلة ضوء وتفاؤل على ضفاف رئتي، ولكن يعود السؤال لماذا لاتعمم هذه التجربة كأحد أهم منجزاتنا الثقافية الموجهة للطفل؟ لمَ لاتصبح المكتبة مركزا حضاريا ثقافيا باذخا للطفولة بشكل يتوازى مع مايحدث في الداخل؟ فإذا كانت فاطمة تنسى دوما أن تخبرنا ماذا تفعل في مكتبتها.. فها أنا أفشيت بعضا من أسرارها.. فما يحدث هناك هو شتلة مشروع وطني كبير واجهة تطل على سبعة بحور.. هو بحاجة فقط إلى ضوء يسلط على حدائقه وحقوله.

مشاركة :