نصف الحقيقة الآخر \بقلم منذر الأسعد \ براميل الشرف وبنك القلق

  • 11/4/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

2016/11/03 تقول الحكاية الشهيرة: إن شخصاً استشار جحا في معاناته التي أوجزها بقوله: أنا أسكن في غرفة واحدة مع زوجتي وفيها نطبخ ونستحم.. وهي مهووسة بتربية الحَمَام.. فماذا أفعل؟ قال جحا: هات 4 دجاجات وضعها معكما، ثم تأتيني بأخبارك بعد شهر. قال الرجل: يا أبا الغصن أنا أكاد أختنق من ضيق غرفتي الذي ازداد مع زوج الحمام الذي اضطررتُ أن أقتنيه إرضاء لزوجتي، وأنت تريدني أن أزيد الحال سوءاً بإضافة 4 دجاجات على الغرفة؟ قال جحا: أنت حر.. وإذا لم تكن واثقاً بحكمتي فلماذا تستشيرني؟ تنهد الرجل ونفذ حكمة جحا كارهاً.. عاد بعد شهر فسأله جحا: ها!! كيف الحال بعد الدجاج؟ قال: لا يحتاج الأمر إلى ذكاء، صار الوضع أسوأ من قبل كثيراً.. قال جحا: عليك الآن أن تأتي بخروف ليقطن معكما الغرفة وفي الشهر التالي جعله يشتري بقرة.. وفي كل شهر كان الحوار العقيم يتكرر وكان الرجل يتأفف لكنه ينفذ أوامر جحا.. وفي النهاية أصر جحا على المسكين أن يقتني جَمَلاً ويحشره في الغرفة.. ولما رجع بعد شهر طلب إليه جحا أن يبيع الدجاجات.. فباعها وعاد فسأله جحا: كيف صارت الأمور؟ قال: أحسن من قبل قليلاً.. وغاب شهراً ثم أمره جحا ببيع الخروف فباعه وأخبر جحا أن أوضاعه صارت رائعة!! وهكذا نسي الرجل همه الأول وأصبح يعيش في الغرفة/الزريبة مع جمل وبقرة وزوج حمام إضافة إلى زوجته العنيدة!! * * * ثار كثير من الناس عندما رأوا بان كي مون يمنح وسام «الشرف» لبشار الجعفري مندوب بشار الأسد في الأمم المتحدة.. لكن محاكيكم احتفظ بهدوء أعصابه، لأني رأيت الأمر طبيعياً، وكما قالت العرب: الشيء من معدنه لا يُسْتَغْرَب!! فبان كي مون هو الأمين العام الذي انتهت مدة صلاحيته – أعني: مدة ولايته في منصبه-.. ولم تكن للرجل أي قيمة عندما كان في موقعه، حيث كان صاحب أكبر بنك للقلق عرفته البشرية.. الدماء تغطي سوريا إلى الركبة، وبان كي مون يعرب عن قلقه.. يهلك ألوف من أبنائها بالكيماوي فيطلق كي مون موجة جديدة من قلقه المخزون بوفرة.. يقوم «جحش» -الحشد الطائفي الإيراني في العراق- بسلخ فتى في سن التمييز، فيصرف كي مون رزمة إضافية من عملته الوحيدة: القلق.. وهنا يجب الاعتراف بعبقرية توفيق الحكيم، الذي أبدع مسرحية (بنك القلق)-1967م- حيث أُنشئ بنكٌ يستقبل زبائنه القلقين، وفيه يتاح للشخص القلق أن يثرثر لموظفي البنك عن أسباب قلقه ومصادر اكتئابه، فيشعر بالراحة.. وهي عملية تسمى في علم النفس ب: التنفيس.. والتنفيس فن يتقنه الطغاة لإلهاء شعوبهم وإشعارهم براحة خادعة.. ودولياً أصبح المهمة اليتيمة للأمم المتحدة، فقد بات حائط مبكى للمقهورين المخَدَّرين.. وهنا تصبح حكاية جحا الساخرة سياسة حقيقية ينفذها الأقوياء في حق الشعوب المظلومة.. فليس فيها سوى التنفيس والتخدير لكنها في الواقع تنحاز إلى القتلة والظالمين، إلا الذين لا سند لهم من الأقوياء المتجبرين أو إذا كانوا من صبيانهم لكنهم خرجوا على النص!! * * * لم يستفزني منح وسام الشرف الأممي للجعفري، لأنه مثل وعد بلفور: مَنَحَهُ مَنْ لا يملك لمن لا يستحق.. وكي مون يودع منصبه فأحب أن يودعه شر وداع وليس كما يقال: يا رايح كثِّرْ ملايح.. لا تنسوا أن كي مون احتج قُبيل وسام القرف، على أول قرار محترم لليونسكو بأن المسجد الأقصى الأسير يخص المسلمين وحدهم.. والجعفري «مسكين» فربما يعوضه الوسام عن أحزانه، فرئيسه المفتون بابنة الجعفري يبدو أنه تخلى عنها، بعد أن شغل أعوانه بالبحث عن عاهرة روسية ليشرح لها المؤامرة الكونية ضده، لتقنع عواهر العالم وقواديه.. مع أنهم جميعاً في صفه.. ومع أن انعدام الشرف لا يتجزأ وليس فيه درجات – مثل الموت إذ لايصح أن نقول: هذا ميت وذاك أكثر منه موتاً_.. مع ذلك فإن الأمم المتحدة أشد انعداماً للشرف من الجعفري ومن بشار الأسد ومن البغيِّ الروسية.. فلو كان لدى هذه المنظمة الصفيقة ذرة من الشرف لما استمرت تعترف بسفاح الشام عديم الشرف رئيساً لسوريا وهو ينحر شعبها منذ ست سنوات، وما زالت يعترفون به حتى بعد إعلان روسيا احتلال سوريا رسمياً، وشبه إعلان إيران احتلالها بصورة غير رسمية.. ولو كان في منظمة الفجور ذرة شرف، لما بقي عديم الشرف الجعفري يوماً واحداً يمثِّل سوريا التي تختطفها العصابة الأسدية العميلة. يبقى السؤال: ما معنى الشرف؟ تماماً مثل سؤال المجرم طاغية الشام الذي يسأل الإعلاميين الذين يحاورونه: ما هي البراميل المتفجرة؟ لا شك في أن كل امرأة تبيع جسدها للراغبين في المتعة المحرمة، هي امرأة بلا شرف.. لكن هنالك من هو أقذر منها.. بدليل الحديث النبوي الشريف: بينما كلب كاد يقتله العطش إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل فسقته فغفر لها به. .. فتلك البغيُّ تمتلك رحمة ومشاعر إنسانية ليس لها أثر في حلف القتلة في سوريا.. قد يخطر في بال بعضنا كفار مكة.. ووالله إنه كان في بعضهم من الشرف ما لا يملك أيتام خامنئي ذرة منه.. وكلنا نعلم من السيرة النبوية أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - وصاحبه أبا بكر الصديق استأجرا دليلاً في هجرتهما غير المعلنة، ولم يخنهما مع أنه كان على دين كفار قريش.. بينما هؤلاء قادة تسلطوا على شعوبهم بالحديد والنار فخانوها وأذلوها وقتلوها وسلموا بعض أراضي البلاد للعدو ثم سلموا بقية البلاد للغزاة الجدد: بوطين وخامنئي.. وحصار بني هاشم أنهاه نفر من عقلاء قريش وهم على الكفر.. أما عديمو الشرف اليوم فليس فيهم شريف يقول: لا تقتلوا الناس العزل لا تحاصروا المدنيين ولا تمنعوا عنهم الغذاء والدواء..

مشاركة :