مفازات \ تقطعها سعدية مفرح \ أسطورتي وكحلها في اليمامة

  • 11/4/2016
  • 00:00
  • 141
  • 0
  • 0
news-picture

«إلى.. ذكرى راعية السهر وبذرة القصيدة، راويتي الأولى وسحر طفولتي؛ جدتي رحمها الله».. بهذا الإهداء صدّرت كتابي الجديد الذي صدر أمس عن دار كلمات للنشر والتوزيع في الكويت، رغم أن فكرته نبتت هنا، في أرض اليمامة، وعلى مدى مفازاتها المتسعة في فضاء الكلمة. حتى أن عنوان الكتاب هو عنوان واحدة من مقالاتي المبكرة هنا؛ «أسطورة زرقاء بكحل أسود»، ولا يخفى على المتابع أنني أشير من خلال هذا العنوان إلى إحدى أجمل أساطير الجزيرة العربية التي اختلط فيها واقع التاريخ بخيال الشعراء وعنوان النصر والبطولة لتخلتط علي تفاصيلها بما كانت تحكيه لي جدتي - رحمها الله - في طفولتي عن نساء ينتمين لزرقاء اليمامة بالجغرافيا والتاريخ والشعر والنثر والسحر كله. كانت زرقاء اليمامة هي جدتي، ببصرها الحاد الذي لم يضعف يوماً حتى وهي تصل في عمرها إلى ما فوق المائة عام، وببصيرتها التي جعلتني أنظر إليها حتى هذه اللحظة باعتبارها بطلتي الأولى وأسطورتي التي تتعدى أسوار العائلة لتنداح في قراءاتي ومشاهداتي كلها. عندما كنت أكتب مقالاتي في اليمامة أسبوعياً، لم أكن أخطط كي أجمعها لاحقاً في كتاب، لكن تشجيع أسرة اليمامة المتنامي حمسني للفكرة، وأعادني لحلمي القديم بإهداء واحد من كتبي إلى ذكرى جدتي.. وهكذا فعلت أخيراً. وفي تقديمي للكتاب، استعدت جزءاً من ذكرياتي المنشورة كحلم أول لم أعرف أنه سيتحقق على هذا النحو؛ «في جدران طفولتي البائسة إلا قليلاً، ثقوب أطل من خلالها الآن على حكايا الدهشة، فأفاجأ بوجه جدتي المبتسم إلا قليلاً، أشم رائحة لوز وجوز وزبيب بلون العسل. تنفرج زوايا الذاكرة قليلاً، فأغلق كفي على بيض حمام ملون بالأزرق الفاتح والوردي والأبيض المائل للصفرة، حلو ولذيذ، ولا يماثله في حلو اللذة سوى أغنيات العمة لقصائد الجدة الذاهلة عن كل شيء إلا عن صلاة لا تنتهي، وقصائد لا تنتهي أيضاً. انسحب من تلال الذاكرة المفعمة بالأسى وطعم الزبيب المتناثرة حباته على سجادة الصلاة ومستحلب الجوز في فم جائع، فتلاحقني أغنيات النساء اللواتي لا أعرفهن ولكنهن يباغتن ليلي بأسمائهن وأسماء عشاقهن! رحلت جدتي في بدايات مراهقتي، لكن شغفي بعوالمها المسحورة ظل دائماً يراود سكوني أمام الورق الأبيض، ولاحقاً أمام لوحة المفاتيح، فأنساق في خضم السحر لكي تكون الحكاية كلمة ونغما، حداء حزينا، ورحى تدور وتدور وتدور على محورها المغنّى. تقول جدتي إنهن كنّ يغنين وهن يطحن القمح، فتسير الأغنية في متواليات دائرية، وتكمل الحكاية حيث تبدأ، فتبدأ الدائرة رحلة دورانها من جديد. ويكون الليل بظلمته وظلمه ساتراً وستاراً، لحكايات النساء البدويات المبللة بالأشواق والحنين والحرمان، من دون أن تفقد جرأتها والتي لم اكتشفها إلا مؤخراً جداً، وأنا أتحاشى مقص الرقيب فيما أنشر، لا فيما أكتب». الآن وقد صدر الكتاب يوم أمس، أحببت أن تكون أسرة اليمامة، وقراء مفازاتي فيها، أول من يعرف الخبر اعترافاً مني بفضلهم السابغ، وانتشاء بفكرة نمت بين أيديهم، وامتناناً لهم على دورهم في تحويل أسطورتي الزرقاء بكحلها الأسود إلى كتاب. شكراً لرئيس التحرير، شكراً لزملاء اليمامة، شكراً لقرائها.

مشاركة :