مفازات \ تقطعها سعدية مفرح \ غادة السمان ورسائلهم إليها «2-2»

  • 12/23/2016
  • 00:00
  • 209
  • 0
  • 0
news-picture

انتهى الجزء الأول من هذا المقال بسؤال مزدوج ورد على هامش نشر غادة السمان لرسائل أنسي الحاج إليها في كتاب مؤخراً؛ لماذا تحتفظ امرأة برسائل عاطفية وصلتها من رجل لا تحبه لمدة ستين عاماً؟ ولِمَ تنتظر هذه المرأة موت ذلك الرجل لتنشر الرسائل على العالمين؟ انتظرتُ حتى اطلع على الكتاب المعني لعلي أجد إجابة لكن هذا لم يحدث! لم أجد إجابات مباشرة ولا غير مباشرة لكنني افترضت أن غادة السمان احتفظت بتلك الرسائل فقط لأنها جميلة، ولأن كاتبها شاعر معروف، رغم أنه كان يومها في السادسة والعشرين من عمره وحسب! ويبقى الجزء الثاني من السؤال: لماذا لم تنشرها وهو حي على قيد الكتابة والقراءة والرد؟ هل خشيت غضبه؟ لكن غادة لا تخشى غضب الرجال الذين لا تحبهم! هل خشيت من أي مساءلة قانونية قد يواجهها بها؟ لكن احتمال المساءلة ما زال قائماً ما دام لأنسي الحاج أبناء وورثة! هل خشيت من احتمال وجود رسالة جوابية منها لأنسي يكون قد احتفظ بها فينشرها رداً على ادعائها بأنه حب من طرف واحد؟ لكن لا أظن أن غادة ستغامر بإدعاء عدم وجود رسائل منها إليه لو لم تكن متأكدة تماماً! هل خشيت تكذيباً أو تسطيحاً للحكاية وتهكماً عليها من قبل بطلها الأول يجرح فيها شعور الأنثى الذي تراكم على مدى ستين عاماً؟ ربما.. ولكنه احتمال ضعيف جداً، ذلك أن غادة تعرف أنسي كما نعرفه نحن القراء، أو أكثر؛ الهدوء والدماثة والرقة والغموض والبعد عن المباشرة لا في الكتابة وحدها ولكن أيضاً في الممارسات الحياتية والصدامات الافتراضية مع الآخرين. يقول من دافع عما اعتبره حقها في نشر تلك الرسائل أن غادة السمان تملك تلكها وبالتالي فلها وحدها الحق في نشرها أو عدم نشرها، وأن هذا الحق للمرسل إليه وحده ولا يملكه حتى المرسل نفسه ما دام قد أرسل الرسائل! وكأن الرسالة عبارة عن ورقة وحبر ومظروف وطابع بريد.. غادة تملك كل هذا فعلاً، لكنها لا تملك الكلمات التي كتبها الشاعر ولا العاطفة التي أنتجتها، إن كانت هناك عاطفة فعلاً، فمن يقرأ الرسائل لن يصعب عليه تصور أنها رسائل عمومية فنية بحتة، وأن الشاعر كتبها كما يكتب قصيدة أو مقالة، وأنها لا تخص غادة السمان إلا بالاسم، وهو لو أراد أن ينسخها ويرسلها لأخرى لما احتاج الأمر منها سوى تغيير الاسم، ومن يدري؟ لعله فعل! وربما كانت غادة، بذكائها اللافت، قد اكتشفت ذلك فعلاً، وفيما أسمته «محاولة إهداء» كتبت وكأنها تحيل إلى عمومية الرسائل وعاطفتها المشاع. «أهدي هذه الرسائل إلى الذين يعتقدون مثلي أن للشاعر ألف ملهمة وملهمة وحبيبة واحدة اسمها الأبجدية.. والحب الذي لا يخونه الشاعر طوال العمر، اسمه: الشعر»! وفي مقارنة بين «محاولة الإهداء» الذي صدرت به كتاب رسائل أنسي الحاج والإهداء الصريح العاطفي الساخن الذي صدرت به كتاب رسائل غسان كنفاني إضافة إلى المقدمة الوافية التي خصت بها رسائل كنفاني في حين صدرت رسائل الحاج بلا مقدمة، ما يشير إلى الفرق الكبير في العلاقتين لدى غادة لكنه فرق توحدت نتيجته؛ النشر الذي لن يستطيع الإجابة الدقيقة على السبب في الإقدام عليه إلا هي. في لقاء صحافي أجري معها قبل سنوات قليلة قالت غادة السمان؛ «لقد خاب أملي في الشائعات عني وعليّ كتابة سيرتي. حين أطالع بعض ما يكتب عن حياتي الشخصية، أقول لنفسي أيتها المرأة أنت تستحقين شائعات أفضل»! فهل هذا هو السبب؟ ربما..!

مشاركة :