خواطر تقرع الأجراس / هل نحن أقوياء النفس؟ - ثقافة

  • 1/4/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قوة النفس لا تعني قوة الإرادة والشخصية ؛ بل قوة الصدق مع النفس أولاً، والتعبير عن الذات بمكنوناتها الباطنية، بتلقائية وعفوية وصراحة، وجرأة، دون مراعاة الشروط الخارجية؛ من رأي عام، وعادات وتقاليد وقواعد «أخلاقية» صارمة كما يفرضها المجتمع... قضية صعبة حقاً ! تحدثت مرة عن أرض النفاق ليوسف السباعي، في مقالة «أنا أنافق إذن أنا موجود»، وجاء في كلمة الإهداء للرواية: «إلى أحب الناس إلى نفسي، وأقربهم إلى قلبي، إلى... يوسف السباعي!. ولو قلت غير هذا الكلام لكنتُ شيخ المنافقين في أرض النفاق». وفي ختام الإهداء قال: «إذا ما متُّ فشيّعوني بألف لعنة واحملوا كتبي وأحرقوها فوق قبري واكتبوا عليه: هنا يرقد أكبر حمار!... أضاع عمره في لغو وهذر»! وكان الروائي ستندال (القرن 19) يتصف بالذاتية الشديدة، وقوة النفس. كان يمارس تلقائيته الجريئة التي تصل إلى حد الحمق، خالعاً لباس الوقار والمداهنة؛ فيهاجم علناً، وهو في ضيافة البارونة «جيرار» تفاهة المجتمع الأرستقراطي وفضائحه، بالحديث عن المكر والدسائس والخيانات الزوجية المتبادلة بين الأزواج والزوجات، فيثير بتلقائيته الاشمئزاز والنفور؛ فلا يبالي بأحد ويسترسل (بوقاحته وفظاظته)؛ لأنه ربّى ذاته على «قوة النفس». وهذا يذكّرنا ببرنارد شو، و(د.هـ. لورنس) اللذين حملا على نفاق هذه المجتمعات ومباذلها حملة شرسة. تذكّروا روايتَي «عشيق الليدي تشاترلي» و«نساء عاشقات» للورنس. يقول ستندال: «هل أتغيّر؟ إنها لمغالطة كبيرة. إني أستسلم لنقائصي! وعلى الإنسان أن يعرف نفسه معرفة دقيقة بإخضاعها لتحليل نزيه، وأن يتقبّل كل النتائج، خيراً أو شراً، وأن يولَع بها بلذة وقوة، وألا يأبه بما يقع من مفارقات أو يخالف التقاليد...». وهذا المبدأ يعود بنا إلى سقراط في مقولته الشهيرة الصعبة: «اعرف نفسك». هكذا أرسى ستندال مبدأه الأخلاقي في التفكير والسلوك. وقد أطلق النقاد على هذا المبدأ اسم (بيليزِمْ) وهو مشتق من اسمه الحقيقي «هنري بيل»، وستندال هوالاسم الأدبي المستعار. وبسبب تلقائيته، وقوة نفسه، وجرأته، وصراحته دون نفاق مع الذات أو الآخرين لاقى كثيراً من العداء، حتى بين كبار المثقفين. لكن الحكومة الفرنسية كرّمته بوسام تقدير لأدبه قبل سبع سنوات من وفاته. أما (بلزاك) الروائي الكبير فقد عدّه رائداً من رواد القصة الفرنسية قبل وفاته بسنتين. وكان ستندال يقول رداً على تجاهله: «لن أُعرَف إلا بعد مئة عام». وقال ناشر كتابه الشهير «من الحب» الذي تجاهله القراء والنقاد: «إنه كتاب مقدس لا يمسّه أحد»!... وهو من أروع مؤلفاته عن تحليل الحب، وقد تحدث فيه عن الحب العذري العربي. ويذكّرنا بطوق الحمامة لابن حزم، الذي لم يترك بعده زيادة لمستزيد في أحوال الحب والعاشقين. وما بين يوسف السباعي وفضح أرض النفاق، وبين قوة النفس التلقائية، والاستقلالية، عند ستندال، هل نحن، أمام القمع العربي بكل أشكاله ومظاهر فساد مجتمعاتنا وانحلالها، أقوياء النفس؟ وهل نضيِّع أعمارنا، وإبداعاتنا في لغو وهذر؟ * شاعر وناقد سوري

مشاركة :