قصة «الأب الروحي للضباط الأحرار»: تفاصيل لقائه بـ «لورانس العرب» وخلافهما معًا (12)

  • 7/17/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كان «الثوار العرب» الرافضون للتواجد التركى بشكل عام، يحاولون الاستفادة من الأجواء السياسية والعسكرية الملبدة. اقتربوا فى مصر والشام والعراق ومن الإنجليز أملاً فى تشجيع الحركة العربية، لكن الإنجليز- كعادتهم دائماً- كانوا يسعون للفتنة والاستفادة من تحرك هؤلاء الثوار ضد تركيا على أن تدعمهم فى الخفاء دون أى التزامات ظاهرة، لجأت بريطانيا فى المقابل إلى من تضمن ولاءهم بشكل تام.. فاقتربت ابتداءً من ١٩١٥ من الشريف حسين، ثم عبدالعزيز آل سعود، وظهر على الساحة أشهر رجل مخابرات فى القرن العشرين وهو «لورانس العرب». كانت الاتصالات البريطانية مع الشريف حسين إحدى حلقات الاتصالات البريطانية مع الزعامات العربية، وقد بدأت هذه الاتصالات عام ١٩١٤، وأخذت طابعها الرسمى فى شهر يوليو ١٩١٥، وانطلقت بواسطة الأمير عبدالله بن الحسين «الابن الثانى للشريف» عندما كان نائباً عن مكة فى مجلس المبعوثان العثمانى، فأثناء ذهابه إلى الأستانة كان يمر بالقاهرة وينزل ضيفاً على الخديو عباس حلمى الثانى، وفى إحدى تلك الزيارات التقى اللورد كتشنر، المندوب السامى البريطانى، وفى اليوم نفسه قام كتشنر بزيارة الأمير عبدالله فى قصر عابدين، حيث أعرب عن رضا الحكومة البريطانية عن الوضع فى الحجاز. هذه الاجتماعات والزيارات المتبادلة بين الأمير عبدالله والمسؤولين البريطانيين مهدت الطريق أمام الاتصالات البريطانية مع الشريف حسين بن على، وأوجدت ما يُعرف تاريخياً بمراسلات الحسين- مكماهون. ويرصد «جرادات» فى رسالته أنه فى هذه الفترة ابتداء من يوليو ١٩١٥ وحتى مارس ١٩١٦، تم تبادل عشر رسائل، خمس كتبها الشريف حسين، وخمس كتبها السير هنرى مكماهون، وكان الشريف حسين بن على هو البادئ فى تلك المراسلات، حيث بعث أول رسالة يوم ١٤ يونيو ١٩١٥ إلى نائب ملك بريطانيا بمصر، تضمنت مطالب العرب فى الاستقلال والتحرر. وقد نوقش فى فترة تلك المراسلات عدد من القضايا المهمة، كمسألة حدود الدولة العربية المقترحة، ودور بريطانيا فى المساعدة على قيام الثورة العربية الكبرى، ومسألة المصالح الفرنسية فى بعض المناطق العربية وغيرها من المسائل. وقد انتهت هذه المراسلات بموافقة بريطانيا على مطالب الشريف حسين بن على. يؤكد «جرادات» أن هذه المراسلات كانت الأساس والقاعدة الصلبة لقيام الثورة العربية الكبرى. فى ١٠ يونيو ١٩١٦، أعلن الشريف حسين بن على الثورة العربية، وذلك استجابة طبيعية ونتيجة حتمية لمجريات الأحداث السياسية والعسكرية التى كانت تعصف بالمنطقة العربية بشكل خاص. حاول الشريف حسين وأحرار العرب أن يعبّروا من خلالها عن رغبات وآمال أبناء الأمة فى الحرية والاستقلال من زعماء الأتراك الذين تمادوا فى أعمالهم ضد العرب وأساءوا للدين الإسلامى، وتنكروا للعرب وللغتهم أكثر من أى وقت مضى. ينقل «جرادات» تأكيد الوثائق أن الشريف حسين قد تريث كثيراً قبل إعلان الثورة العربية الكبرى لئلا يُساء فهمُها من قِبل البعض. وعلى هذا الأساس وصلته برقيات التأييد والتعضيد من زعماء الأقطار العربية ونواب العرب فى مجلس المبعوثان العثمانى، وأحرار العرب فى بلاد الشام ومصر والعراق والذين كانوا يمثلون فى غالبيتهم أعضاء جمعيات العهد والعربية الفتاة وحزب اللامركزية فى مصر. كانت فرحة أحرار العرب بإعلان الثورة العربية نابعة من شعورهم بالتخلص من الحكم المركزى التركى، ورأوا أن هذه الثورة هى التى ستوصلهم لهدفهم بالتحرر من ذلك الحكم، فزعماء المنطقة أظهروا تعاطفهم وتأييدهم للشريف حسين، فالإمام يحيى حميد الدين فى اليمن أعلن تأييده ودعمه للشريف حسين وأمر قواته بمهاجمة الحامية التركية فى صنعاء، والتى كانت تتكون من ١٦ ألف جندى كان من ضمنهم جنود عرب أُجبروا على التجنيد، ومع ذلك فإنهم لم يحاربوا ضد الإمام، كما أن الإدريسى أعلن ولاءه ودعمه للشريف حسين، ووضع ولاية عسير تحت تصرفه، وتنفيذًا لذلك قام الإدريسى بمحاصرة «القنفذة» التى كانت بها حامية تركية تتألف من ٢٧٠٠ جندى تركى ومعهم ٢٠ ضابطاً ألمانياً، حيث استسلم جميعهم، كما أعلن السلطان عبدالعزيز بن سعود فى نجد دعمه الكامل للشريف حسين. كان الشريف بن على مقتنعاً بضرورة انضمام أكبر عدد من الضباط والجنود العرب الذين خدموا بالجيوش العثمانية ووقعوا كأسرى حرب فى أيدى جيوش الحلفاء، هذه الفكرة أيدتها بريطانيا بشكل كبير، وذلك لخبرة هؤلاء فى مجال الشؤون العسكرية، وهذا ما تحتاجه قوات الشريف، وبنفس الوقت يوفر على بريطانيا إرسال جنودها بشكل كبير إلى الحجاز، والذى قد يؤثر على صورتها أمام العرب والمسلمين. كما أن استخدام هؤلاء الجنود والضباط بمختلف جنسياتهم سيعطى انطباعاً وشعوراً عاماً لجميع أبناء الأمة العربية بقومية الثورة. بالفعل، فقد كانت جيوش الثورة تتألف بالإضافة إلى أبناء الحجاز من معظم أبناء الأقطار العربية، فكانت ثورة عربية إسلامية ولم تكن ثورة إقليمية طائفية أو عائلية. يذكر «جرادات» أن الضابط العربى محمد شريف الفاروقى كان من أوائل الضباط العرب الذين تركوا مراكزهم فى الجيش العثمانى وسلموا أنفسهم للسلطات البريطانية بغية التعاون مع البريطانيين لتحقيق الاستقلال العربى، وقد حاز هذا الضابط ثقة الشريف حسين بن على وعُين ممثلاً له فى القاهرة منذ يونيو ١٩١٦، أى مع بداية عمليات الثورة العربية. وقد نجح الفاروقى فى استقدام عدد من الضباط العرب إلى الحجاز، ولما كان عضوًا فى جمعية العهد، فقد قام بالاتصال مع عزيز المصرى من أجل الاشتراك فى الثورة العربية الكبرى. وجاءت مشاركة «عزيز» فى الثورة العربية بعد جهود متواصلة قام بها الفاروقى فى مصر مع المسؤولين البريطانيين. اقترح الفاروقى على البريطانيين تزكية عزيز المصرى لكى يُعيَّن لدى الشريف حسين قائداً لجيش الثورة العربية، أما بالنسبة للشريف حسين فقد كان متردداً فى استقدام عزيز المصرى إلى الحجاز لما عُرف عنه عبر حياته الثورية فى مقدونيا والأستانة واليمن وليبيا، بل إن الشريف حسين كان حذراً من جميع الضباط الذين كانت لهم مساهمات ونشاطات فى جمعية الاتحاد والترقى. بالمقابل فإننا نجد عزيز المصرى نفسه مترددًا فى الاشتراك بالثورة العربية الكبرى وقبوله منصب قائد جيوش الثورة العربية، لأنه وكما قال «المصرى» لم يكن متأكداً من هدف الشريف حسين.. هل هو الدفاع عن الحجاز ضد القوات الأجنبية، أم الثورة ضد السلطان العثمانى وتحقيق الاستقلال؟. ينقل «جرادات» تأكيدات أكثر من مؤرخ لتردُّد الشريف حسين فى إشراك عزيز المصرى وقيادته لقواته. وفقاً لجميع المصادر العربية والأمنية المتاحة، فإن الشريف تلقى نصائح متطابقة، وكذلك ضغوط بريطانية بتولى عزيز المصرى قيادة القوات العربية، لما له من خبرة وقوة هيبة لدى الضباط والجنود العرب، فتراجعت المواقف الرافضة للشريف. أقلّت الباخرة الحربية «لاما» عزيز من عرض البحر وقبالة السويس قاصداً الحجاز، والتقى على متنها بتوماس إدوارد لورانس الشهير بـ«لورانس العرب» الثعلب الإنجليزى المحرك لجميع الأحداث حينئذ. اقترب الرجلان فى هذه المرحلة وعملا معاً لإنجاح الثورة العربية، لكنهما اختلفا فيما بعد، ورغم شهرة «لورانس» العسكرية والسياسية يقول عنه «عزيز»: لم يكن قائداً عسكرياً بقدر ما كان فى الأصل «عميلاً سياسياً» أُلحِقَ بالعمل مع الأمير فيصل للتأثير عليه وضمان نجاح الخطة الإنجليزية. إن لورانس لم يكن يهمه أبداً أمر العرب فى شىء، والمودة التى قيل إنه كان يكنّها للعرب غير صحيحة. إنه لم يكن يُكرّس نفسه لإنشاء أمة عربية موحدة الكلمة، لأنه كان يؤمن تماماً بأن مصلحة بريطانيا تقضى بإبقاء الشرق الأوسط منقسماً على ذاته.

مشاركة :