فهمتُ من النقل الشفهي الاجتماعي أن الدعوات في رمضان الكريم تكون على السحور. والداعي كما عرفت يلتزم أدبيا وماديا بالذبيحة أو الحاشي، وفي السنين الأخيرة التيوس. صحيح أنها لقاءات إلفة ومحبة بين أسر أو جيران. لكنني مع قائل البيت التالي: وما هي إلا جوعةٌ إن سَدَدتها فكل طعامٍ بين جَنبيك واحدُ وإليكم هذه الحكاية الواقعية، ولا تخص سحور رمضان الكريم أو الدعوة إليه لكنها تُري الفارق بين ما يُقدّم وما يدخل الجوف وما يُعتنى به من الطعام. استجاب الكبير لدعوة فراش مكتبه على الغداء بعد أن "طلّق" الأخير وأصر. وأحضر الأول معه اثنين أو ثلاثة إلى تلك الدعوة الكريمة. ولاحظ المدعو - وهو صاحب هوية مرموقة - بساطة الأكل وطريقة التقديم التقليدية المصحوبة بالرعاية والملاحظة الشخصية من قبل المضيف. فاستطعم الطعام وتناول الشاي والقهوة واستمتع بوقته وأنعم. وقبل خروجه سأل مضيفه سؤالاً شخصياً عن تكلفة الدعوة. فظن الأخير أنه سيعوضه فأقسم و"طلّق" أن يجعل ذلك سراً مكتوماً. لكن الكبير طمأنه مبدياً رغبته بالعلم فقط ولا شيء غير ذلك. سأله المضيف ولماذا تود المعرفة؟ قال إن مسكني ممتلئ بالخدم والقائمين على شؤون المطبخ وممتلئ أيضاً بالثلاجات والمجمدات (الفريزر) وغرف التجميد والمباشرين، ومع هذا كله فإن طعامك - يا فلان - أكثر بهجة ولذة وشهية. ولذا أسأل كم كلفك.. ولا عليك فوالله لن أعوضك. قال الفّراش - كل العزيمة ب(180) ريالاً. باللحم والخضار والرز والسلطة والفاكهة.. وإذا أردت أن تحسب الشاي والقهوة.. ولكن امتزج هذا كله بلمسات العناية المنزلية النظيفة بطبعها، والمحبة للنظافة. وهذا - وغيرك المعلّم - لا يتوفر في مساكن تُركت لرعاية الخدم والطباخين يطبخون ما يحلو لهم.. ويسرقون ما يحلو لهم، فوجبتكم لا تقل عن الثلاثة آلاف ريال. وأرى أن الطعام القليل النظيف اشهى وألذ مذاقاً وتستسيغه النفس. وأعلم أن طبخ الاكل المنزلي ليس سهلا، وذلك لانه يحتاج الى حرفية وتعلم في مجال الطبخ وغيره، لمعرفة عمل اصناف مختلفة من الاطعمة سواء محلية او عالمية، وهذا المجال من المشاريع المربحة اذا ما تم إتقانه جيداً وأتساءل لماذا لا أسمع أن في بلادنا فندقاً أو أكثر من الفنادق الراقية، خصص دورات تدريبية لمن يرغب، لقاء رسم محدد يدفعه المتدرب (أو المتدربة)؟ فهذا الشيء موجود في بلاد أخرى، ويدخل ضمن الدورة كل ما يدخل ضمن مجال الطبخ ونوعية الأصناف ومناسباتها، والصفات التي يمكن استمرارها وفصولها. دورات كهذه تُعطي السعوديين إطلالة على ما يمكن عمله.
مشاركة :