خبرة الماضي - مها محمد الشريف

  • 10/18/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كان الماضي شيئاً مختلفاً ينبثق مما حصل ونتائجه ظهرت عميقة وقد أصبح تاريخاً لمعرفة الأحداث، ويرى أقطاب التيار الفكري أنه ليس بإمكان المؤرخ أن يفسر الماضي على غرار ما تفعله علوم الطبيعة التي تدرس القوانين المتواترة المتسمة بالاستمرارية والثبات، وإن دوره يكمن في فهم خصوصية كل حدث كما لا يستطيع المؤرخ أن يتعرف إلى المنطق الموضوعي للظواهر الاجتماعية، وأقصى ما يمكنه بلوغه هو فهم معنى الفعل البشري، علما بأن المؤرخ لا يستعمل عقله فقط، وإنما حدسه وعاطفته، وقد حاول المفكرون والمؤرخون تهذيب التاريخانية وذلك بالتقليص من تطرفها المتمثل في تأكيدها. لقد شهد التاريخ كما هو معروف أحداثاً كبيرة منها مسائل شائكة وأحداث اهتز لها الرأي العام والخاص لازال لها ارتباط بحياة الناس، وأما الذين يدعون أن الحاضر منفصل عن الماضي فإنما تتماهى حقائقهم وتتعارض. فكل ما تريد معرفته يستدعي الكثير لتغطيته ليصبح الأمر في غاية البساطة، إن هذا الزمان لا تتميز فيه الذوات والأشياء عن بعضها البعض، بل تؤكد على تشتت الحاضر وتفكيكه إلى عوالم فكرية متعددة يتغذى الخلط فيها على سوء الفهم وتدني مستوى القيمة، فهل يعقل أن الناس اليوم تسير باتجاه التتابع للمضامين وهي في تناقض ظاهر؟ بينما اهتم ريمون آرون بالعامل الأساسي في حركة المجتمعات وأن المشكلة ليست في الصراع الطبقي فحسب، بل هناك صراع النظم السياسية الذي رأى أن تأثيره أعظم بكثير من الصراع الطبقي وأن الحفاظ على تنوع ميادين وجود الإنسان وتعدد عوالمه الروحية، يعتبر من التاريخ الذي يبدأ بالخطيئة الأولى، وأنه يقود إما إلى الخلاص الفردي أو إلى الخلاص الجماعي، ونستنتج من هذا القول أننا بصدد مجتمعات منهجها الأول الانتماء والتقوقع في عمق تاريخها وأزمنتها القديمة وبالأخص العالم الثالث والمجتمعات العربية بالتحديد. ما جعلنا نسلم بازدواجية حاضرها الذي يركن إلى تحالفات مع الزمن القديم لا تكاد تنفذ منه وكأنها تعيش في عنق زجاجة لا هي حافظت على قناعاتها القديمة، ولا هي عاصرت الزمن الحديث وسلّمت بضوابطه، بل تمسكت بذرائع مضادة مثل الذي سيغادر عند بلوغه سن التقاعد ويريد تزوير تاريخ ميلاده طمعاً في الحياة التي يعيشها لئلا يسلم مكانه لغيره. وهكذا نرسم خصائص المسائل والقضايا وأسسها النظرية والعملية فالطرف الأول في الحياة هو التاريخ الذي ينحدر منه الماضي الأكثر مرحاً وشجاعة فلا ينبغي الإعراض عنه بل الانتماء والولاء له وليس التقيد به. وبمقياس فريدرك نيتشه (تظل العصور القديمة كامنة في كل عصر وقد تنبعث في أي وقت، وتكون علاقات الجماعة مع أفرادها، في خطوطها العريضة، مثل علاقة الدائن بمدينيه، فكلما ازدادت قوة الجماعة كلما نقص اهتمامها بتقصير أفرادها ). فهل يحق القول هنا أن التاريخ ألحق بنا الضرر ولم يسلمنا مقود الحاضر لضيق العقول وفقر المعرفة، وتركنا أكواماً غير جاهزة لاستخدام الحياة؟

مشاركة :