«وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي...» لمساتها البيانية أُخذت بها رسائل جامعية في الناحية البيانية لإعجازها التي تضمنته هذه الآية ذات الكلمات المحدودة عددًا، اللا متناهية معنىً ودلالةً، هنا ينبغي التذكير بأن القرآن يتكئ على قاعدتين قاعدة اللغة والبيان وقاعدة الحمولات العلمية والمعرفية والتي صِيغت بقالب قوانين عامة لا تفصيلية وتفسيرها وتأويلها غير محسور بزمن معين والشواهد على ذلك أكبر من أن يتسع لها هذا المقال. بُدئت الآية بفعل مبني للمجهول «قيل» والقول يُقال لمن يسمع ويعقل وهذا ليس فيه مجاز بل من باب الحقيقة ثم تبعها حرف النداء والمُنادى ينبغي أن يعي ويعقل ليُنفذ من يُطلب منه وأيضًا جاء فعل الأمر ابلعي والمأمور وجب عليه الامتثال لأمر الآمر لأنه كما أسلفنا هذا ليس فيه مجاز بل حقيقة وسنرى ذلك من خلال الملاحظات التالية: بما أن أُسلوب الخطاب حقيقي فإن الأرض والسماء سمعتا عقلتا ثم امتثلتا للأمر الإلهي الذي جاء بصيغة المبني للمجهول وهذا يدل على أن الأرض والسماء تعرف وتعلم المنادي لعظمته فجاءت صيغة المبني للمجهول وهو معلوم عندهم والامتثال للأوامر فيه دليل على التعظيم للآمر الذي أمر هذا أولاً. ثانيًا: صيغة النداء جاءت باسم الجنس مباشرة من باب العظمة والقوة حيث لم يقل يا أرضي من باب التكريم والترقيق، ولم يقل يا أيتها الأرض المحتوية على التنبيه لأنها ليست غافلة فلا داعي لتنبيهها للأمر كما قال «يا أيتها النفس» هنا تحتاج النفس للتنبيه. ثالثًا: ابلعي للدلالة على سرعة التنفيذي وتقليل الوقت ولم يقل ابتلعي التي تأخذ وقتًا طويلاً ثم قال ماءك هنا تخصيص عملية البلع بالماء فقط ولولا هذا التحديد لبلعت الأرض كل ما على الأرض، والكاف في «ماءك» لإضافة الماء للأرض رابعًا: تقديم البلع على الإقلاع حتى يُهيئ الرسو للسفينة بعد نفاذ أمر الله، وقوله غِيض الماء أيضًا فيها إيجاز وسرعة الدالة على العظمة ثم قال وقُضي الأمر بمعنى نجاة من نجا وإهلاك من هلك من ناس ذلك الزمن. خامسا: واستوت على الجودي، طمأنينة للذين نجوا من تلك العملية التي تمت على عين الله بمنتهى القوة والسرعة، والاستواء هذا لا يكون كما كان لولا تهيئة الظروف السابقة التي جاءت بفعل الترتيب الإلهي، والاستواء هذا جاء بصيغة البناء للمعلوم بخلاف بقية الأفعال التي سبقته لأن مكان الرسو والاستواء معلوم قال فيه المفسرون أقوالاً تباينت في التحديد فقط ولكنه كان معروفا ومحدودا جغرافيا جاءت الصيغة مخالفة لكل أفعال الآية «فسبحان الله» وختم الحق الآية بالقول «وقيل بعدًا للقوم الظالمين» وبُني الفعل على المجهول تعني أن القائل هو الله والملائكة وكل إنسان صالح يقول بُعدًا للقوم الظالمين والظلم هو سبب كل تلك الكارثة التي حلت بهم.
مشاركة :