آيات في الآيات (4):«ووالد وما ولد»

  • 5/21/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

افتتح قولي بآية كريمة من آيات الله «ولا تنسوا الفضل بينكم» لأقول من خلالها كلمة شكر وامتنان لكل من أسهم بتعليمنا وإنارة الطريق أمامنا في فهم أكثر من ذي قبل للكتاب الكريم، ونصلهم في كل الأوقات بالدعاء الخالص لهم بأن يُثيبهم الله أعظم الثواب عنا للجهود التي بذلوها في محاورة الآيات واستنطاقها ليستلوا منها معاني دقيقة غاية الدقة، بحيث ورّثت فينا التصديق بالإضافة إلى التسليم الفطري بعظمة القرآن، فرحم الله الأموات منهم، وأسبغ على من ينتظر منهم الصحة والعافية. أثناء تلاوتي للقرآن الكريم تستوقفني بعض الآيات، وكثير من الكلمات وتتكاثر الأسئلة حول الدلالات والمعاني التي تنبثق من تقارب الكلمات لفظًا، وحتمًا تباينها معنى، فلا أجد في كل مرة إلا لذة لم أستشعرها من أي من ملذات الدنيا مجتمعة، وحتى لا نستطرد في الإنشاء جذبتني بقوة «ووالد وما ولد» وقفز السؤال حول الدلالة المقصودة من استعمال التنزيل الحكيم لفظة الوالد مرة والأب مرة، وسر القسم الرباني في الآية السابقة. الوالد ما أصبح والدًا إلا بقدرة الله، وهذا قانون موضوعي عام يتمثل في خاصية التكاثر، فإن الله يقسم بمطلق قدرته تلك على جعل الحياة مستمرة من خلال التزاوج الذي منه يأتي التكاثر ومنه يصبح الرجل والدا والمرأة والدة وهو قانون منضبط ليس بمقدور أحد الخروج عنه، وهذا ما يميز الوالدية عن الأُبوة التي هي قدرة بشرية بحتة، تتبع جهود الفرد في التربية والعناية والرعاية والاهتمام، لذا فهي ليست منضبطة كالوالدية، فالآباء متفاوتون في مقدار الجُهد المبذول تجاه أبنائهم، ونخلص من ذلك كله أن الوالدية هي قدرة الله فينا والأبوة هي قدرتنا في أبنائنا. والأمر الإلهي بالطاعة جاء للوالدين فقط لأنهم والدان من دون أي حسابات أُخرى، ولا تجوز الإساءة لهم تحت أي ذريعة ولو كانت الكفر أو الإشراك «وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا»، يا لعجب الدقة والصرامة والرحمة في هذه الآية، ولأن الأيام دول فهي تشمل الجميع مع مراعاة الترتيب الزمني فقط، فابن اليوم هو والد الغد فيناله من هذه الرحمة المُتضمنة في هذه الآية التي تمثل دستورا اجتماعيا يكفل لنا ترابط الأُسرة، وبالزيغ عن هذا القانون فالتفكك والتشرذم هو مصير نظامنا الاجتماعي وتتحول البيوت إلى محطات استراحة وفنادق للنوم تفتقد دفء الحياة العائلية المبنية على التراحم والتعاطف والتي من خلالها نتخفف من مصاعب الأعمال والسعي على الأرزاق، في البيت نغتسل من الهموم والإجهاد والصخب الذي يلازمنا في رحلة الأعمال والوظائف. لذا نلاحظ أن وجوب الطاعة الصارمة جاءت للوالدية ولم تأت للأبوية فكان التوجيه الرباني «وبالوالدين إحسانا» في كل الكتاب الحكيم ولم يغفل عن احترام المربي والإقرار بالعرفان له، كما أن هناك بعض العلماء ذهب إلى أن الطاعة لو جاءت للأبوة أو الأمومة لكانت نسبية وذلك بحسب المجهود الذي بُذل من الآباء في التربية تكون الطاعة، لكن الحكمة الإلهية أغلقت المنافذ أمام من تسول له نفسه بعصيان الوالدين أو الإساءة لهم مهما تضاءلت تلك الإساءة، وأين نحن من دقة الاختيار في قوله تعالى «ولا تقل لهما أُف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما»، لا أتخيل إلا الخشوع والخضوع لهذا التوجيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وخلاصة القول في هذا أن كل والد هو أب بالضرورة وكذلك كل والدة هي أم طبيعيًا، ولكن ليس كل أب هو والد، وهذا كله يقع ضمن النظر الإنساني، فقد يصيب وقد يجانبه الصواب، فحسبنا النية في كل كلمة كتبناها في هذه السلسلة الرمضانية.

مشاركة :