الكلمة القرآنية معبأة بمعاني مقصودة قصدًا ومُختارة بدقة فائقة دونها كل الكلام ولا نأتي بجديد إن قلنا هي كذلك لأنها من عند الحكيم العليم، وهذا ما سلب الكلام سلبًا من الوليد بن المغيرة حين أدلى بشهادته قائلاً: والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه ومُغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى... هذه وجهة نظر الوليد، فلا غِنى لنا من تعزيز هذه المقولة بما لا يدع مجالا للشك لأحد بالتقول أو التفلسف على هذا الكتاب بأنه من عند محمد وليس سماوي المصدر بكامله. في البدء ومن كلام الوليد نود تذكيره بأثر رجعي بأن هناك يا ابن المُغيرة فرقًا بين الكلام والقول فالقرآن كلام وقول من الله حصرًا نطق به الرسول محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام لا أكثر ولا أقل، هذا من جانب ولنأخذ أمثلة من الكتاب الكريم توضح السبب الذي جعل الانبهار هو النتيجة الطبيعة لكل من نزل إلى أغوار القرآن واقتبس قبسا من نور تلك الأغوار فأغوار القرآن نورانية بخلاف كل الأغوار المُعتمة. «وفاكهة وأبا» فقط سنقف عند هاتين الكلمتين لننظر التعبئة الدلالية التي أودعها الله فيهما.. فالفاكهة شكل واحد من أشكال النِعم التي أُختص به الإنسان فقط وأما «الأب» فهي طعام الحيوان فقط وذلك من نبع الربوبية التي لا تغفل عن مخلوق من مخلوقاته بدلالة الآية التي تليها حيث يقول الله «متاعًا لكم ولأنعامكم» فالأولى متاع الناس والثانية متاع الأنعام. لنحصر الحديث الآن في كلمة فاكهة وفواكه فنقول أن الفاكهة هي اسم جنس «عام» تشمل الواحد والجمع والمُتعدد والمُتنوع، فلا ضير أن نقول عن التفاحة الواحدة فاكهة وعن إناء مملوء بالتفاح فاكهة أيضًا، أما الفواكه فيه تخصيص أكثر فهي أقل عمومية من الفاكهة، قال الله تبارك وتعالى عند الحديث عن الأرض «والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة» فالأرض بعمومها واختلاف تضاريس ومناخها تنتج «الفاكهة» بمختلف أنواعها منها ما نعرف ومنها لا نعرف حيث من المعلوم بالضرورة أن لكل نبات بيئته التي يصلح لأن يعيش وينمو فيها، وما يعرفه سكان مِصر من فاكهة قد لا يعرفه سكان روسيا، وما هو بيئة مناسبة للتمر كنوع من الفاكهة كالخليج مثلاً، لا ينبت في المناطق الباردة وهكذا أما حين ذكر الجنان في القرآن الكريم ذكر معها الفواكه لأن الجنة التي هي بمعنى البُستان مهما تنوع إنتاجه يظل محكومًا بالمحدودية، وهنا تتجلى الدقة الفائقة التي أشرنا إليها في مطلع المقال. هذه التفرقة تقودنا إلى موضوع اقتصادي بحت حيث التبادل التجاري الذي أصبح ركيزة من ركائز الاقتصاد اليوم، فأي بلد على هذه الأرض لا يستطيع أن يوفر لسكانه كل الأنواع من الفاكهة، فتلجأ الدول إلى تبادل الأنواع وبهذا تتقوى الأواصر بين دول العالم، فهذا يُصدر التمور ويستورد الموز، وذاك يبيع الحبوب لغيره ويشتري ما ينقصه من فواكه وخضار من غيره. وهذا يقودنا أخيرا إلى حتمية الحديث عن الشكر الذي يجب على العباد تأديته إلى من أكرمهم بهذه المكارم التي لا علاقة لهم بإيجادها ولا يد لهم فيها وهذا ما قررته الآيات التالية «أرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون. لو نشاء لجعلناه حُطامًا فظلتم تفكهون. إنا لمغرمون بل نحن محرومون». والشكر لا يكون كما هو معلوم إلا على نِعمة تُؤدى لك فهل هذا يكفي بحق الله جل جلاله بأن نشكره على ما أولانا من نِعم أم نذهب إلى ما هو أبعد من الشكر إلى الحمد، والحمد هو أن تحمد من أدى لك نِعمة أو لم يؤدها لك لأنك تحمده على صفته التي يتحلى بها فالله كريم رحيم رحمان لذا وجب حمده علاوة على شكره. ونخلص من ذلك أن الحمد أعم وأشمل من الشكر لذلك فالله جدير بالحمد لما يتصف به من صفات الكمال.
مشاركة :