آيات في الآيات (18): «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم»

  • 6/4/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

سنخرج عن منهجية السلسلة بعض الشيء في هذه الإطلالة، ولكننا سنبقى ضمن الإطار العام والعنوان العريض لهذه السلسلة خدمة للهدف الذي ننشده منها وتكريساً للفكرة الرئيسة منها، وهو تالياً ليس إلا رأياً نظنه إسهاماً منا في تكريس الفكرة القائلة بضرورة تقديم القراءة القرآنية على التلاوة على اعتبار الفرق الجوهري بين القراءة والتلاوة وما للقراءة من خدمة جليلة تؤديها للقرآن العظيم لا تضارعها فيها التلاوة. وانطلاقتنا من هذه الآية التي أردناها عنواناً لهذا المقال والتي على ما نعتقد تكرس تلك النظرية، فبداية الآية تفيد المستقبل المفتوح الذي تتقلب فيه الأجيال جيلاً بعد جيل، والواجب المُلقى على عاتق الأجيال المتعاقبة من أبناء هذه الأمة والرؤية هنا تقبل الرؤية الحقيقية ولا تستنكف عن الرؤية بالمعنى المجازي وهي الرؤية الفكرية التي تكون نتاج الرؤية البصرية أحياناً وقد تفارقها أحياناً أُخرى ولا ترتبط بها حيث يأخذ العقل المُتفكر زمام المُبادرة ويتشعب في مسالك كثيرة أساسها مركوز في الكون بالمعنى الكلي للكلمة، سماواته وأرضه وما بينهما، تلك المُحفزات العقلية التي تلعب دور المُستفز للعقل كما أثبت لنا التاريخ الفكري ذلك مرات عديدة، تلك كانت إشارته في كلمة «الآفاق» القريب والبعيد والمرئي وحتى غير المرئي إلا بواسطة أدوات علمية سهلت ووفرت عوامل استفزاز أكثر من ذي قبل، وفي الذات البشرية كأعضاء تعمل ضمن آلية مُحكمة منذ الخلق الأول والذات النفسية التي أشار إليها القرآن إشارة كفاتحة طريق للتمعن فيها، تاركاً العقل يفعل فعله فيها ففعل ومازال يبحث وسيظل على هذا الدرب، ومن هذا يتخلق التقربُ الإنساني المُتعقل لآيات ربه الذي خلقه في أحسن تقويم. لا أشك ان كل ما قلته آنفاً بديهي لأهل الثقافة ولكن ما يحيرني ويدهشني من أغلب هذه الثلة المباركة أن هناك تناقضا خفيا لا يشعرون به أو يشعرون ولا يريدون الاعتراف به ولا أدري الدوافع الكامنة وراء ذلك -إن صحّ التخمين. جميعنا متوافقون على أن كتابنا الكريم فيه آيات مُحكمات لُبّها العبادة والطاعة والأخلاق وقد أبلى أسلافنا فيها بلاءً حسناً، فتناولوها بحثاً وتفصيلاً، بحيث إني وصلت الى قناعة أن أجدادنا العِظام من العلماء لم يتركوا فيها زيادة لمستزيد، وهناك آيات متشابهات «المتشابهة من القرآن»، وهو تصنيف تلك الثلة من الجهابذة السابقين، فمن لهذه الآيات المنتشرة في طول القرآن وعرضه، وقد قضى هؤلاء العلماء. ومن البديهيات التي نتداولها في مجالسنا وجلساتنا الثقافية مقولة أن القرآن صالح لكل زمان ومكان «وهي قاعدة صحيحة»، والأجيال تتعاقب من أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام فما هو واجبها اتجاه المتشابه من الآيات؟ أيعقل أن نبقى رهن التفسيرات القديمة لتلك الآيات التي فسروها بحسب معطيات عصرهم وما أملته عليهم أرضياتهم المعرفية؟ والقول الفصل عند من يتدبر القرآن أن الآيات المتشابهة تتجدد إلى يوم القيامة ولن تتجدد من تلقاء نفسها، فحملة الرسالة هم من يقومون بعملية التجديد تلك، وهذا يتطلب جهدا وبحثا، وأظن إلى درجة اليقين أننا استثقلنا تلك المهمة واستملحنا السهل المتوافر بين دفتي التفاسير القديمة، وأزعم أني من أكثر الناس تقديراً للجهود التي بُذلت في سالف الأزمان وأكثر عُذراً لهم على ما لم يتمكنوا منه. ولكن هذا الكتاب المُعجز يستصرخ في كل مرحلة أبناءها للإقبال عليه بحثاً وتنقيباً. أود الإشارة إلى خبرين هما بمثابة البِشارة التي طابت نفسي لسماعها، الأول من جامعة تورنتو الكندية التي شرعت بتفسير القرآن بمنهجية الوقوف على كل مفردة من القرآن وتتبع استعمالها التاريخي ويقوم على ذلك فريق عمل من الأساتذة المختصين، وهو حسب علمي معمول به منذ سنوات، والثاني حديثاً ومن تركيا حيث الشروع في تفسير جديد للقرآن الكريم بمنهجية جديدة مفادها إشراك كل العلماء في هذا التفسير، علماء اللغة واللسانيات وعلماء الأجنة في الآيات التي تتعرض لهذا الموضوع وعلماء الفلك ليدلوا بدلوهم في آيات النجوم والكواكب بالتعاون مع علماء اللغة جنباً إلى جنب وهكذا حضور علماء من شتى المجالات بحسب الموضوع الذي تطرحه الآية الكريمة، هذه المنهجية في هذين المشروعين الجديدين ستشكل فتحاً جديداً في علم التفسير سائلين الله العلي القدير أن يُكللا بالنجاح والتوفيق ونتضرع إليه أن تعم الفائدة كل أرجاء العالم الإسلامي والعالم بأسره.

مشاركة :