* العمارة الإسلامية وحوارها مع الطبيعة: لقد كان للعمارة الإسلامية موقفها البناء من الحوار مع الطبيعة منذ نشوئها وازدهارها وتألقها إذ لم تصارع أو تتحدى أو تأخذ اتجاها متناقضًا مع الطبيعة، بل إنها عكست ذلك تمامًا، ونراها تحسب حساب حضور الشمس ونورها وحرها، وحضور الرياح والهواء وتقلبها وجفافها ورطوبتها وحضور الصحراء وامتدادها وسرابها وحضور الماء والطير والشجر، وحضور الفضاء والنجوم والقمر والجهات الأربع، وكذلك اتجاه القبلة المشروع. لقد كانت العمارة الإسلامية على علاقة حميمة مع الطبيعة ولم تكن لتطمح إلى أن تكون شاهد قوة على انتصار أو تحد للآخرين سواءً كان البناء بيزنطيا أو آشوريا أو بابليا أو فرعونيا إذ لم يكن القصد في الرسالة الإسلامية إعلان انتصار الإنسان من خلال ما كان يعني انتصار الكلمة المنزلة من الله العلي القدير. ولهذا فإن قراءة جمالية العمارة الإسلامية معقودة حول علاقة شتى الأطراف بالمركز أو علاقة المحيط بالنقطة المركزية وكيف تدور المفاهيم والأفكار حول نقطة معينة تشع منها وتنجلي على الكل. * لفظة الأرابيسك وتصنيفاتها: تتميز لفظة الأرابيسك بالشمولية وتعني جميع أنواع الزخارف الإسلامية النباتية والهندسية وألوانها البسيطة الدائرية والمستقيمة واللولبية والمتعرجة والكتابية والمعقدة والمنفذة بالحجارة والأصباغ والمعادن الشائعة والثمينة وعلى الخشب والرخام والزجاج، وفي كل الأماكن كما يذكر الأستاذ إياد حسين عبدالله في بحثه عن الفنون المختلفة، وكل الأدوات واللوازم التي تستعمل في عالم المسلم الرحيب وحياته اليومية العامة والخاصة في وقت واحد. وليس غريبا أن نجد باللغة العربية كلمة مكونة من مقطعين أو ثلاثة مقاطع أو أكثر تعبر عن الأشكال والتزيينات والزخارف والكتابات والرسوم، ولا شك أن الغرب قد استعمل لفظته قبل وقوفه الواعي على تلك الموسوعة الفنية متأثرًا بالوحدة التي تجمع عناصرها وتهيمن على الفن الإسلامي ككل، ومنطلقًا من نظرة إلى عالم واسع الأرجاء ومتعدد الجوانب لكنه في الوقت نفسه متناغم الأصداء ومترابط الفكر والإلهام لتلك الفنون. * توضيح عن لفظة أرابيسك: لقد أكد الأستاذ «الكسندر بابادوبلو» في كتابة الفن الإسلامي عن موضوع الأرابيسك في العديد من الصور والرسوم التوضيحية والمخطوطات وهكذا اجتهد الكثيرون من المؤلفين والمستشرقين في إيضاح لفظ الأرابيسك ورغم كل ما كتب تبقى معلوماتنا عن هذه العناصر مشوشة إن لم نطلع على الزخارف نفسها لا على صورها ووصفها كما لا يمكن أن نفهم التفسير والمدلول الفكري وربما الروحي الذي يعطيها إياه تلك الروائع إن لم نكن ملمين بكل ما يرتبط بالفكر الإسلامي ككل لا بالفن والعمارة فقط. إن للأرابيسك زخارف يتميز بها هذا الفن الإسلامي من دون الأمم الأخرى وهو يقوم على اختصار خطوط التزيين نباتية مؤلفة من براعم وأوراق متفرعة ومتصلة ومتنوعة دائمة الاتصال وإذا أخذنا تفصيلاً نرى أن الغصين الدائري يبدأ بها وإنها تكمله أو تنهيه بينما هو يتموج ويتشابك ثم يصبح حلزونيا أحيانا يطل من خلف الأوراق ومن بينها أحيانًا ثم يتشابك الغصن مع الأوراق فهو امتداد له وهو امتداد لها من دون أن تكون لها نهاية كالعادة للتوريق. وأكثر النماذج النباتية استعملت للأرابيسك بشكل متكرر ومتقارب وهو مروحي وبيضاوي ومتشابك مع التقيد بأداء الحركة بانسجام وتناوب وإيقاع ثم توزيع للزخارف بطريقة مدروسة لملء الفراغ، وتكسبه على كامل السطح بدوران هادئ ومتوازن ولا انفصال في تحركه ولا مفاجآت في التقائه، مع المحافظة على عنصر الإدهاش في إلقاء المشاهد وسط متاهات وخطوط على أرضية مربعة أو مخمسة أو مسدسة أو مثمنة أو شكل دائري إلى آخره. ولكن بلا حدود فالمساحات الهندسية تتكرر وتتوالد بصورة لا متناهية وفي استمرار متحرك وهكذا في طريقته وأسلوبه الفني. * طريقة تداخل الكتابات في التزيين: هناك تداخل منسق في الكتابات وفي التزيين فتستقر الحروف على الأغصان أو تتحد معها أو تشكل المضلعات والأشكال المتداخلة وكثيرًا ما اجتمعت الزخارف النباتية والهندسية، وكثيرًا ما كانت خلفية لكتابات بالخط الكوفية أو الثلثية وربما انتهت الحروف بتشكيلات بنائية، وألفت معها لحنا زخرفيا واحدًا. وربما تناغمت معها بأشكال وخطوط مبسطة لصور حيوانات أسطورية أو لأقنعة أو لطيور خرافية وخيول وجمال وأسود أو بشر فيما ندر. ويتخذ الأرابيسك أنواعا كثيرة من الأشكال، ولكن يمكن تصنيفها إلى مجموعتين: أولا: يعتمد على الخطوط المستقيمة والزوايا ويسمى بالتسطير وهو من الزخارف الهندسية المعروفة في تموجه وحركاته. ثانيًا: يركز على الخطوط المنحنية وأجزاء الدائرة واللولبية والتجريد النباتي ويطلق أحيانا بالتوريق «أو التشجير أو التزهير» والهندسي تنضوي تحت لوائه المضلعات بأنواعها كما يقوم الخط الكوفي بدوره كالزخارف على المعادلات الرياضية وعلى المنطق والعقل والقواعد ومجموعة الأدوات من مسطرة ومنقلة وبركار وعلم الزوايا وهكذا يشكل أشكالا رائعة. [ الهوامش: فنون الأرابيسك وتنوعها: الأستاذ الدكتور إياد حسين عبدالله، أبحاث متعددة من الباحثين الإسلاميين عن مميزات الأرابيسك الإسلامي، الأرابيسك فن إسلامي قديم: الأستاذة شيرين رمضان، فن التوريق والرقش: الأستاذة بسمة علي - القاهرة].
مشاركة :