اهتمام الفنان المسلم بالزخارف: يرجع اهتمام الفنان بالزخارف الهندسية وشغفه بها إلى الفكرة السائدة حول كراهية تصوير الكائنات الحية في الإسلام، إذ إن شكوك الفنان المسلم في هذه المسألة جعلته ينصرف عنها ويتجه بكل طاقته وجهده نحو الأشكال الزخرفية الهندسية وتطويرها، وابتكار أنماط جديدة حتى احتلت مكانة مرموقة مما امتاز بهذا الفن الإسلامي. واشتهر الفنان المسلم كذلك بالفن التجريدي حيث جرد الوحدة الزخرفية النباتية كالورقة أو الزهرة من شكلها الطبيعي حتى لا تعطي في أي وقت إحساسًا بالذبول والفناء والاندثار فقام على أثرها بتحويرها في أنماط هندسية تعطى الشعور بالدوام والبقاء والخلود فيعتمد فن التوريق على ملء فراغات السطح المرسوم برسومات لا نهائية متكررة، وكان هناك في ذلك خوف من الفراغ. وبتكرار الرسوم وتقاطعها وتشابكها يخلق الفنان إيحاءات بصرية بالعمق وثلاثية الأبعاد فيما هو في الحقيقة جسم سطح أحادي البعد بشكل بديع ينم عن البهاء والجمال والمظهر الحسن أو الأنيق! رمزية الأرابيسك في الإسلام: يرمز فن الرقش والتوريق إلى وحدة الإيمان والفطرية التي تنظر بها الثقافات الإسلامية التقليدية إلى العالم وتعد هذه الزخارف رمزًا للا نهائية لقدرة الخالق عز وجل علاوة على ذلك، فإن فنان الأرابيسك الإسلامي ينقل إحساسًا روحانيا جميلا عند الإنسان إلى الأعلى، ويعرف عن هذا الفن أنه بسيط لكن به قابلية كبيرة للإبداع، ويبعث الإحساس بالطمأنينة إلى جانب الهدوء وانشراح الخاطر، ويظهر معنى الفن والإبداع الرائع للفن الإسلامي وأن الأمة الإسلامية مسالمة وفنية تحب الإبداع والأصالة والانطلاق والتواصل. وفي هذا المجال ينوه الأستاذ الدكتور محمد عبدالعزيز مرزوق أن فن الأرابيسك يظهر التوافق والانسجام مع البيئة الحضارية العربية والإسلامية، فتسمح القطع الزخرفية برؤية ما بخارجها ولا تسمح ما بداخلها للحفاظ على خصوصية المكان، كما يعطى نوعًا من الإضاءة الخافتة غاية في الجمال والبهاء عندما يتخللها ضوء الشمس فتعكس أشكال الزخرفة على أثرها (للمزيد انظر الإسلام والفنون الجميلة -2015م). تغلغل فن التوريق في وجدان المصريين: وغني عن البيان أن تغلغل فن الأرابيسك في وجدان وفكر الشخصية المصرية جعله شاهدًا على أهم أحداث التاريخ المصري، وجزءًا لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية التي انعكست حتى على الأعمال الفنية فظهر بذلك مسلسل تلفزيوني بعنوان (أرابيسك) وكذلك ظهرت أعمال كالمشربية والبرفان الأرابيسكي في أفلام وروايات الأديب العالمي نجيب محفوظ إبان الاحتلال البريطاني لمصرنا الحبيبة وهو ما جعل الكثيرين يتشوقون إلى التجوال في الأحياء العتيقة للبحث عن أعمال هذا الطراز الفني بين أرجاء أحياء المدينة العامرة. إن الأرابيسك في واقعه هو أحد الفنون الزخرفية التي تعتمد على قطع الأخشاب وحفرها وعمل أشكال وتركيب أجزائها ضمن تحف جمالية تعطى رونقًا جماليا للمنزل والمكان الذي توضع فيه كالأثاث والأبواب والشبابيك وغرفة النوم والأنتريه أو السفرة أو المقاعد والأسرة وخزانات الملابس. سوق خان الخليلي أهم مراكز الأرابيسك: ولاريب في أن هناك مدنا واحياءً بأكملها تصح في إنجاز أعمال الرقش والتوريق وشكلت ما يشبه العمل الفني أو المدارس التعليمية له، وأشهر تلك الأماكن منطقة خان الخليلي في القاهرة، في نهاية السبعينيات من القرن العشرين وبدأت الورش تظهر في بعض المناطق الأخرى ومحافظات أرض الكنانة مثل قرية (كفر المنشى) بمحافظة المنوفية. وحققت شهرة واسعة على مستوى الدولة وكذلك أسواق دمياط، وكان عام 2000م بداية لمعاناة تدهور هذه الصناعة العريقة وتوقف بعض فئات الفنانين عن ممارستها، وكانت حركة الصناعة قد تحولت إلى الهبوط من 80 ورشة إلى 15 ورشة على مستوى الجمهورية المصرية. ويرى البعض أن السياح الخليجيين هم أكثر شراء لمنتجات الأرابيسك وخاصة القطع الكبيرة لوجود مساحات واسعة في منازلهم أما الأجانب فيفضلون شراء القطع الصغيرة التذكارية، وأما إقبال الإخوة المصريين فيقال إن إقبالهم قل عن الخليجيين والأجانب خصوصًا إذا نظرنا إلى أن هذه الأعمال مكلفة الثمن الآن في الأسواق الشعبية. الدور التنافسي لهذا الفن: وتظهر براعة الفنانين المصريين في فن الأرابيسك في النجوم ذات الثمانية أضلاع في القرن الثاني عشر الميلادي في هذا اللون الفني في الخطوط الكاليغرافية الهندسية (CALLIGRAPHY) ويظهر فن التوريق والرقش في مواطن كثيرة من العالم الإسلامي، ولعل مدينة سمرقند أحد أهم الواجهات التي يهتم بها الشغوفون بهذا الفن فمساجدها روائع التحف لفن الرقش المتداخل برمزية وحرفية عالية، ومن مدينة بخاري توجد اليوم قطعة مشهورة بألوان خضراء وزرقاء، وهى ألوان رمزية تمثل لا نهائية للسماء والبحر. والقطعة هي إفريز من جدار مسجد في (فتح آباد من عام 1360م) وموجودة اليوم في قاعة متحف (فيكتوريا وألبرت) بمدينة لندن - العاصمة البريطانية شيء لفن التوريق. ولا ننسي طبعًا الرسومات والأشكال الزخرفية الشهيرة في مدينة قرطبة الأندلسية وقصر الحمراء بمدينة غرناطة الأندلسية لبني الأحمر النصريين الذي يعتبر مزارًا سياحيًا يقدسه السياح الأجانب من جميع أرجاء العالم كل عام، ما يعطى دخلاً إضافيا للدخل القومي للجمهورية الإسبانية. تعريف المشربية في الدول الإسلامية: تعرف المشربية في بعض دول العالم الإسلامي باسم (الروشن أو الروشان) وهي تعريب عن اللفظة الفارسية (روزن) وتعنى الكوة أو النافذة المطلة أو الشرفة، وأيا كانت المسميات فإن الشكل لم يختلف إلا في بعض الجزئيات البسيطة التي أضفت على شكلها طابعا مميزًا وخاصًا لكل بلد تحل فيه، متوافقة في ذلك مع أهم الخصوصيات الفن الإسلامي من حيث الوحدة والتنوع. وقد كانت المشربية عنصرًا مميزًا في العمارة الحجازية وخاصة في (مدينة ينبع) التي بلغت فيها من الكثرة على شكل متصل، وأما في مدينة صنعاء اليمنية وما حولها لم تعرف إلا منذ القرن (11 هـ - 17م) بتأثير الفن العثماني، وكان استعمال المشربيات في فلسطين على نطاق ضيق، وفى البحرين عندنا مدينة المحرق والمنامة توجد هناك نماذج قليلة من المشربيات وتوجد أيضًا في مدينة طرابلس اللبنانية ومدينة سواكن السودانية والمغرب العربي في مراكش والرباط، كما تشتهر المشربيات في جدة والطائف والمدينة المنورة، وتعتبر هذه المشربيات هي أهم المعالجات المعمارية للبيئة المناخية فأسهمت في تلطيف حدة الضوء والهواء من واقع البرامق ومن التهوية الجيدة من خلال وحدات الخرط الخشبي للمشربية. [ الهوامش: صناعة الأرابيسك: مجموعة من الباحثين، سيد الفنون وأكثرها إبداعًا الأرابيسك: الأستاذة منة الله مصطفى القاهرة، الأرابيسك فن هندسي عربي أصيل: الأستاذة شيرين رمضان، فن الأرابيسك: الأستاذة بسمة علي القاهرة، الإسلام والفنون الجميلة: د. محمد عبدالعزيز مرزوق 2015 م ]
مشاركة :