هل دار بخلدك أن تكون يوما ما بين مجموعة من الأصدقاء تتولي تسليتهم سيدة عمرها ثمانية و تسعون عاما، و تخطط لاحتفالها لاحقا بعيد ميلادها المئوى؟.و هل تعلم أن تملك هذه السيدة ناصية الحديث و ادارته أمر اعتادته في كل جلسة اجتماعية منذ كانت في ريعان شبابها،و أن قدرتها الجذابة و اللماحة علي الفكاهة و خلط الواقع بالخيال تبلبل الحاضرين و تعجزهم عن التفسير و تفاجئهم بعكس ما يستنتجونه، فيستمرون منبهرين في الإنصات و التفاعل و الضحك؟ولدت ليدي ايفا عام 1910 في سراييفو، و رباها أبواها النمساويان تربية أرستقراطية، عنت بأصول التعامل و الثقافة وتنمية مواهبها الموسيقية و الرياضية، فكان الرقص الإيقاعي. متنفسا لحيويتها و إبداعها، إلى أن جذبها التمثيل بالسينما الصامتة بعد أن اختيرت ملكة لجمال النمسا و عمرها ستة عشر عاما، فانتقلت الي هوليود ثم برلين،لكنها لم تشأ التنازل.عن التزامها الخلقي لصعود سلم المجد و الشهرة.حياتها منذاك ليس فيها جديد؛صدمة عاطفية حين تخلي عنها من أحبته بعد مرض عضال أصابها، و زواج مستقر دام خمسين عاما-لم تعد تذكر تفاصيله-حتي توفي زوجها، و خصصت جزءا من معاشه لجليسة تعيش معها بتاّلف و ترعاها منذ عشر سنوات، و تقول إيفا أن منزلها في فيينا تهدم في الحرب العالمية الثانية ، فتوفي أبواها تحت الأنقاض.لكن كيف تحتفظ بهذه الصحة و الحيوية و الروح الساحرة في هذه السن؟.تتمتع ايفا مع نشأتها المميزة بشخصية مستقلة واثقة و فطرة صافية وتلقائية، و تعرف تماما كيف تعبر عن رغباتها و اّرائها بشكل مقبول، و يصعب علي المرء العثور عن تعبير لها يجافي اللطف و الاناقة و الذوق السليم و الاحترام و التحضر، و ربما أعانتها تجربة السينما الصامتة علي التعبير بايماءات يتعذر مجادلتها. و لا جدال أن اعتدالها في العادات الغذائية و إقبالها علي بذل المجهود العضلي كلما استطاعت و ربما العناصر الوراثية أسهمت في الاحتفاظ بالصحة و الحيوية فيما نعتبره شيخوخة.أجابت علي فضولي بنظرة تنطق بالصدق بأن روحها المرحة تخفي الحقيقة المرة.و حينها أدركت سبب خلطها الواقع بالخيال و قدرتها المبدعة علي جذب الانتباه و الضحك بعد أن تخلي عنها الجمال و الشباب و الشهرة؛ فهي تقول كل شئ دون أن يفهمها أحد أو تفقد جاذبيتها، و تحول معاناتها الي فن يبهر الجميع.أن سن إيفا ليس خارقا للمعتاد في بلدها؛ فنقاء البيئة و الوعي و التأمين الصحي و الاجتماعي و سهولة ووضوح المعاملات ووفرة الأمن و الخدمات و السلع و الرفاهية و الحقوق المصانة تجعل السكان يعمرون. و بعد بلوغ سبعة و ستين عاما سن التقاعد يمارسون رياضة المشي أو الجولف و الساحة, و يرتادون المناسبات الثقافية، و يتمتعون بحياة اجتماعية نشطة فيما بينهم علي الأقل. و يعتنون بهيئتهم و ملبسهم خاصة اذا ما توفرت الإمكانيات المادية، و يصبح لذلك السن جاذبيته دون أعباء اجتماعية أو صحية علي الذات أو الآخرين مع وجود دور المسنين. و تكون الشيخوخة مرحلة جني الثمار و تجنب التوتر و ليست تحمل المشاق و التهميش و التدهور حتي الموت. و السؤال هنا هل يستطيع و او نفر من القادرين منا أن ينعموا في معاشهم بصحة و حيوية و سعادة لعمر يقارب المائة؟ و ماذا نفعل حتي يتحول الحلم يوما ما الي حقيقة؟
مشاركة :