لم يجد الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي بمشروع استراتيجي منذ التأسيس (1928) فرصته الذهبية في الانتشار والتوسع إلا في اوائل السبعينات وأواخر الثمانينات حتى العقد الاول من الألفية الثالثة، حيث وجد الاخوان فضاء مهم للحراك من أجل افغانستان الاسلامية، فهناك تم «نسج وحياكة» ما هو مهم وحيوي في البلدان العربية والاسلامية، ومع تفجر الثورة الايرانية 78-79 وجد الإخوان (نموذجًا) وحليفًا اسلاميًا مهمًا مجاورًا لافغانستان، ونهلوا من كل الظروف الجديدة مهما كانت الاختلافات الجزئية والاساسية، المهم أن يصبح مشروع الدولة الاسلامية الراية الكبرى بين تلك الشعوب. مدوا ايديهم للاستخبارات الامريكية وتعاونوا في حرب افغانستان ومع كل الانظمة التي ساهمت بقسط كبير بدعمهم ماليًا ولوجستيا فكانت الانظمة العربية حتى باكستان بوابات مفتوحة لدعم «الصحوة الجديدة !» فيما وجدت الجمهورية الاسلامية أن الاخوان قوة وحضور شعبي هام في العالم السني حتى وإن كان الشيطان هو القاسم الحاضر للتضامن والتنسيق بين الاسلام السياسي الايراني والاخواني في أفغانستان. وضعت كل المعسكرات والتسهيلات ونقاط العبور الايرانية والاموال في فترة الطفرة النفطية تحت خدمة عتاولة الاخوان، وفتحت المعسكرات لتستقبل الشباب العربي والمسلم فيها لمواجهة الخطر الاحمر واليسار العالمي الذي كان في أوج صعوده في أواخر الستينات والسبعينات، وكان طليعة لقوى التحرر الوطني ضد بقايا الكولونيالية القديمة فكان لابد من تمتين التحالف العالمي امام حركة التقدم الثوري وكانت الساحة الافغانية، الساحة الاساسية لتجاذب تلك التيارات والقوى. وجدت الامبريالية العالمية في الاخوان والاسلام مادة خصبة كمتراس أمامي للقتال في الصراع و في استنزاف كل الامكانيات المتاحة الشعبية في الشارع العربي والاسلامي لمناهضة النظام الجديد التقدمي في افغانستان. في هذه الحقبة كانت فرصة الاخوان إعداد الذراع العسكري بحجة الدفاع عن الاسلام ضد الزحف السوفيتي، فيما وجدت القيادة الاخوانية العالمية بقيادات عربية متنوعة تخوض مشروعها المستقبلي من خلال التربة والساحة الافغانية، وقد كانت تحلم بأن تكون افغانستان هي الامارة المستقبلية للحلم الاخواني وبؤرة ومركز التجمع العالمي، وحاولوا بعد اخفاق الحلم استنهاض واستبدال حركة طالبان ولكنهم فشلوا في ساحة وعرة وخيارها صعب، رغم انهم من خلال تنظيم القاعدة وفلول جهادية مختلفة استكمال مشروع الانبعاث بشعارات ورايات وواجهات مختلفة وبلدان متعددة. بعد تغلغل الاخوان من خلال ظروف متنوعة، سلمية وعنيفة، نجحوا في التسلل لداخل المجتمع المدني وتم اختطاف كل مقوماته ومنظماته النسوية والطلابية والشبابية، ومن خلال كثافة العمل الدعوى تم الاستيلاء على قاعدة المجتمع في أروقة المساجد والجامعات والصعود والهيمنة على المؤسسات التعليمية والاعلامية ومن ثمة المصرفية بتأسيس البنوك الاسلامية التي شكلت لها منافذ لعبور كل انواع الدعم المالي بما فيه غسيل الاموال التي تكشفت لاحقا في فضائح عديدة، فيما راحت تمتد تلك «الحصالة المالية» لجيوب البسطاء تحت حجج واهية فكانت الصناديق الخيرية فرصة ذهبية لتخزين ما يمكن تخزينه واستثمار تلك الاموال المهولة والمنهوبة احيانا كما فعلت حركات اسلامية في مناطق كثيرة حتى آخر طوفان لداعش في العراق. ولعبت التبرعات والمساهمات الانسانية الخيرية بذريعة اسلامية استنزاف البيوتات المالية في مشاريع تجارية كبيرة في تركيا والبلقان ومناطق اخرى، وقد لعب الاخوان فيها دورًا قياديًا رائدًا من حيث الخبرة والكوادر والنفوذ ونسجوا في المنفى الاوربي علاقات استثمارية قائمة على المنافع المالية، بحيث تبقى «خزائن هارون» للأيام السوداء ومرتعًا لعناصر الفساد، فكانت تركيا المركز الاوروبي النشط، حيث فتحت لهم الابواب على مصراعيها مع صعود حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم، فانكشفت بكل وضوح العلاقة الخفية بين الاخوان ومراكز اسلامية كثيرة تمتد من اندونيسيا وماليزيا مرورًا بقطر وانتهاءً بتركيا والبلقان. وسنرصد كل عقد اهم الساحات الاخوانية وكيف نشطت ونجحت في اختراق الانظمة الحاكمة وتلونت كالافعى بغطاء الدين وبعثت برسائل توحي وتوهم الانظمة انها لا تتوق او تطمع للوثوب الى سدة الحكم، وانما هدفها هو الاهتمام بتعزيز وترسيخ الاسلام والقيم الدينية في المجتمع الاسلامي وتحصينه من الافكار المستوردة الغربية كالديمقراطية، والشيوعية والالحاد المتفسخ، فبدأت ماكينة التثقيف تنطلق من زوايا المساجد والأوكار السرية والدورات الحزبية في بلدان عدة كانت معسكرات باكستان ووزيرستان اهم المعاقل لغسل دماغ الشبيبة والمعلمين، كونها مجاورة للساحة الافغانية والايرانية فتلقوا الى جانب التدريبات العسكرية دروسًا من مناهجهم الفكرية التي أسس لها سيد قطب وحسن البنا.
مشاركة :