أفول العصر الذهبي للإخوان (10)

  • 10/5/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بات وضع بن لادن في السودان كملاحق دوليا من أجهزة الاستخبارات صعب البقاء، بعد أن أصبحت العمليات الارهابية تنتقل من استعمال المسدسات والقنابل والرشاشات الى مرحلة التفجيرات والعمليات الانتحارية بالأحزمة الناسفة والشاحنات الملغمة، فحدثت تفجيرات هائلة مختلفة نوعيًا عن غيرها في يونيو 96 لابراج الخبر وفي سنة 98 في السابع من أغسطس تم تفجير سفاراتي الولايات المتحدة في كل من دار السلام (تانزانيا) ونيروبي (كينيا) وهذا من نتاج تأسيس بن لادن والظواهري «للجبهة العالمية للجهاد عام 1998» فكانت تلك التفجيرات من الأمور الصعبة معالجتها في ظل نهج الخلايا النائمة والتبرير لها في المجتمع الدولي، حيث في جنينها ورحمها كانت تتشكل مقدمات لتحدى كبير بين تنظيم القاعدة الدولي والولايات المتحدة كقوة عظمى وذلك بالهجوم على البرجين في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وفي حين باتت القاعدة عبئًا على حكومة ونظام البشير نفسه فكان عليه عام 1996 الرحيل بهدوء إلى أفغانستان مجددًا في عهد طالبان وفي ركابه رموز وأسماء من الجماعات الجهادية، التي غادرت أفغانستان لتعود اليه مرة أخرى بعد فشلها في إشعال ثورات شعبية مسلحة، حيث اتساع نطاق التحولات نحو الديمقراطية وصناديق الاقتراع شكلت عائقًا للاستجابات الشعبية لأعمال العنف، التي كان سوقها رائجًا وسط الجيل الشاب المسلم في بؤرة مصر والعالم العربي والاسلامي.  دون شك خفت حدة الضغط على حكومة البشير مع مغادرة بن لادن وركبانه وأنصاره نحو البؤرة العالمية الجديدة والحاضنة الاسلامية المكابرة، حيث سيطرت حكومة طالبان على إمارة أفغانستان (1994-1996)، وفتحت ذراعيها لكل المجاهدين الفارين من بلدانهم مرورًا بساحة السودان والسعودية والاردن، وعلى رأسهم اسامة بن لادن وايمن الظواهري والدكتور عبدالله عزام دينامو الخدمات والاعلام للاخوان في أفغانستان.  لم يستقر نظام البشير خلال فترة حكمه في الثلاثين عامًا الماضية، فقد دخل في صراع مع أجنحة وتجمعات اسلامية وعسكرية ويسارية، فكان من المفارقة أن يدخل البشير (زعيم حزب المؤتمر الوطني) وحسن الترابي زعيم (الجبهة القومية الاسلامية) (والمراقب العام للاخوان) رفاق الأمس في صراع مرير في (حكومة الانقاذ ) دام ما يقرب من 16 عامًا من اجل مقاعد السلطة وفي كيفية إدارة نظام الحكم، الذي استشرى فيه الفساد وتحول السودان بمشروعه العسكري تارة والديمقراطي تارة أخرى الى مجرد شلة فاسدة عسكرية بعقلية وروح الدولة العميقة، التي أدخلت السودان لعقود مظلمة في فم التمساح وحروب إبادة دينية وعرقية، انتهت بانفصال جنوب السودان عن شماله وهيمنة البشير وبطانته على مفاصل الدولة البوليسية. يتميز تاريخ تنظيم الاخوان في السودان بحلقاته الجنينية منذ ولادته في أواخر الاربعينات بمتغيرات كثيرة، تختلف عن مسارات اخوانه في الدولة المجاورة كمصر كبؤرة أساسية معنية بدول الجوار وبالذات حكومة السودان بتاريخها السياسي المحتدم.  برز الاخوان في بداياتهم بعد عملية انشقاقات باسم الحزب الاشتراكي الاسلامي !! ودون الحاجة للتفاصيل ترأس المفكر الاسلامي الدكتور حسن الترابي جماعة الاخوان لفترة من الوقت كمراقب عام للتنظيم بين (1969-1979)، وقد تغير اسم المنظمة في عهد الترابي للتغيير أكثر من مرة، نتيجة تعرض حركات الاخوان المسلمين حول العالم إلى الهجوم والقمع من الأنظمة، وعلى رأسها مصر والنظام الناصري بزخمه الشعبي الذي تأثرت به الساحة السودانية سلبًا وإيجابًا. وتحاشيًا للمشاكل والحساسية السياسية مع الانظمة قرر الاخوان استبدال اسمهم باسم جديد هو «جبهة الميثاق الاسلامي» وهو نتاج عملية تحالف اسلامي بين الاخوان المسلمين والسلفيين والطريقة التيجانية الصوفية في السودان وخاضوا معًا انتخابات عام 1968.  ولم تختلف تجربة الانقلابيين العسكر في الخرطوم بقيادة جعفر النميري عن مثيلتها في مصر أولاً ثم ليبيا لاحقًا بقيادة العسكري الشاب معمر القذافي، حيث نهج الثلاثة فلسفة حل أو احتواء الأحزاب في بلدانهم، وبذلك يدخل الاخوان في البلدان الثلاثة بتجربة مزدوجة، الأولى التركيز على التحالف مع الجيش ضد الأنظمة الحاكمة وثانيًا مواجهتهم للانقلابيين العسكر في المرحلة اللاحقة سعيًا من الاخوان للتفرد بالسلطة، وبذلك تكون تجربة تنظيم الاخوان غنية في تلك البلدان من حيث مسألة تلازم علاقة الجماعة بالجيش والصراع معه في ذات الوقت. حاول النميري بدلاً من حل الأحزاب اللعب معها واستخدامها ضد بعضها البعض كما فعل السادات مع الاسلاميين ضد اليسار، فتوسع تنظيم الاخوان خلال 14 سنة من حكم النميري في الاستفادة من تسهيلات النميري واستكملها في عهد البشير الاخواني المدفون في جسد الجيش. قام الترابي ابن الثقافة الفرنسية والانجليزية والمعروف ببراغماتيته فعقد مصالحة مع نظام جعفر النميري بحل جماعة الاخوان 1977 ليصبح وزيرًا للعدل عام 1983 ويوعز لحليفه الجديد بضرورة تطبيق (الشريعة الاسلامية) فغضبت عليه الجماهير لاحقا فهبت عليه في انتفاضة 1985 وإطاحته عن الحكم، فيما أسس الترابي الجبهة القومية الاسلامية التي انقلبت على الديمقراطية بدعم من الضباط الإخوان داخل الجيش السوداني بقيادة عمر البشير عام (1989).

مشاركة :