بعد تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان تصاعدت موجة الدعوة للجماعات الاسلامية للقتال في أفغانستان وفي مقدمتهم الجماعات الجهادية وتنظيم الاخوان، وهناك ستتوحد تلك القوى وتنتحي الخلافات الجانبية إزاء الأهمية القصوى في مواجهة الاتحاد السوفيتي وخطورته الاستراتيجية للمنطقة واقترابه من مناطق النفط. هذه البؤرة العالمية للإسلام السياسي ستكون مدرسة وتنوعًا وملاذًا، حيث ينمو بين «الأفغان العرب» فكرة (النموذج) الأفغاني المنتصر على قوة عظمى، وبذلك برزت الأصوات المعبرة عن ضرورة العودة بعد الانتصار في افغانستان بالتسلل الى البلدان العربية لإشعال مشاريع ثورات شعبية مجددًا بعد أن أخفقت المحاولات الاولى مبكرًا، خاصة تجربة اغتيال السادات التي لم تتحول شعلتها في استنفار الشارع السياسي واحتلال مواقع حيوية كما كان منتظرًا، وإنما توقفت عند حدود حادث المنصة. للمزيد من المعلومات حول تفاصيل المسألة، ارجعوا الى كتاب منتصر الزيات «الجماعات الإسلامية / رؤية من الداخل». استفاد الاخوان من التنوع السياسي في وسط التيارات الاسلامية، وبدا هو كالأخ الكبير لتلك الجماعات الشابة، غير أن فترة السبعينات ما عادت كالتسعينات وبداية العقد الاولى للألفية الثالثة، فنجومية الجماعات الجهادية بدأت تجتذب حماس الشباب، وتحولت نماذج شخصيات بن لادن والملا عمر كأيقونات بطولية كما هو جيفارا وغيره في ذهن اليسار. هذا الاكتساح الإسلامي المتشدد خبا فيه ومعه اللمعان والحيوية الاخوانية، ولكنه سيستعيد لاحقا مكانته في مرحلة رياح الديمقراطية، التي غزت العالم بعد حقبة سقوط الاتحاد السوفيتي. كان على الأفغان العرب العودة لبلدانهم بمشروعهم الراديكالي حول فكرة ضرورة تغيير الانظمة التي لم تستكمل مسيرتها مع حادث المنصة. حفر الاخوان بهدوء طريقهم في جامعات البلدان الخليجية والعربية والغربية من خلال عناصرهم الاكاديمية، ليغطسوا تحت الماء بوجوه وتكتيك جديد دعوي في الظاهر، ولكنه كان في الباطن تحريضيًا لا يقل خطورة عن تلك الاعمال العنيفة للجماعات التكفيرية وحتى وإن اناب عنهم في تلك الاعمال العنيفة بن لادن وبطانته وتلك الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تكاثرت مع كتب وبرامج عمل من نوع كراس «الفريضة الغائبة» للمهندس محمد عبدالسلام فرج (الذي كان يعتقد أن قتل السادات يمكن أن يكون شرارة اندلاع ثورة شعبية ضد النظام ص172)، وكتاب اسمه «العمدة في إعداد العدة» لمؤلفه سيد إمام عبدالعزيز وهو عبارة عن مجلد من 600 صفحة يعتبر مرجعًا لفقه الجهاد الحركي ودستورًا لجماعة الجهاد. سيد إمام هو أمير أيمن الظواهري عام 1968 في مصر، وقد زامله في كلية الطب ثم أصبح أمير الظواهري عام 1991 في أفغانستان، وكان كثيرون يعتقدون أن الظواهري هو الذي وضع كتاب العمدة في اعداد العدة ولكن سيد إمام عبدالعزيز هو صاحب هذا الكتاب وقد كان لا يحب الظهور ويكتب بأسماء مستعارة مثل عبدالقادر عبدالعزيز. لم تغفل أجهزة الداخلية في مصر في حكم حسني مبارك عن ملاحقة قضية العائدين من أفغانستان عام 1992، كونهم يحملون مشروعًا خطيرًا وعنيفًا يهدد استقرار مصر الداخلي. كان يومها بطل المشهد أيمن الظواهري وأسامة بن لادن، ولكننا في الوقت ذاته، وجدنا حالة وظاهرة الانتقالات لعناصر الشباب الجامعي من تنظيم الاخوان لتنظيمات جهادية جديدة منشقة أو تأسست نتيجة اجتهادات بعض المشايخ والأسماء التي كانت تفرّخها الساحة المصرية. وفي الوقت ذاته، ومع مرور الوقت، كانت تلك العناصر تنتقل الى صفوف الاخوان المسلمين او العكس، والذين كانوا في الأساس في صباهم مع تنظيمات طلابية او تجمعات إسلامية تابعة للجماعات الاسلامية. هذا التداخل في الانتقالات مرجعه التجاذب اليومي في الشارع السياسي وحراكية المجتمع المصري المتدين. كان المخاض هادئًا والإرهاصات سريعة متفاعلة في السجون المصرية بين شتى التيارات مع «الأخ الأكبر» تنظيم اخوان المسلمين.
مشاركة :