كانت أفغانستان تشهد قتالاً عنيفًا بين الفصائل الأفغانية والحكومة الرسمية المدعومة بالقوات السوفيتية التي تقهقرت وتراجعت مهزومة بعد عقد من الحروب المريرة بتكاليفها الباهظة، فانسحبت من أفغانستان رسميًا (بين 15 مايو 1988 و2 فبراير 1989). وستكون أفغانستان محطة طويلة لأيمن الظواهري بعد خروجه من السجن في مصر عام 1984، وسيهندس الرفيقان الظواهري وبن لادن لمشاريع الحركة الإسلامية في المستقبل. أحدث زلزال انهيار الاتحاد السوفيتي وغزو صدام حسين للكويت دويًا وخلخلة في الوضع الدولي فلم نجد موقفًا واضحًا مشرفًا من تنظيم الإخوان سواء في الكويت أو خارجها حول واقع غزو صدام للكويت وحربه مع إيران، بينما العالم ظل لوقت طويل منشغل بحالة انهيار الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى وتفكك المعسكر تدريجيًا ونشوب حرب البلقان الجديدة وتفكك يوغسلافيا في وسط أوروبا. في الوقت نفسه شهدت الساحة الأفغانية اقتتالاً داخليًا بين أمراء الحرب والجماعات الإسلامية مع انسحاب القوات السوفيتية. كان الإخوان والجماعات الإسلامية موزعين تجمعاتهم وحلقاتهم واهتماماتهم بين ثلاثة جبهات عالمية، كانت الجبهة الأفغانية تشكل محورًا مهمًا بينما الجبهة البلقانية مدخلاً للإسلام السياسي لكل أوروبا ومفتاحًا جديدًا لعودة الإمبراطورية العثمانية إلى الماضي المنسي للإسلام هناك، فكان لابد من تحالف حزب العدالة والتنمية التركي * (الذي تأسس في أغسطس عام 2001 على انقاض حزب الفضيلة الإسلامي بعد أن تم حله) مع تنظيم الإخوان استكمالاً لإرث نجم الدين أربكان، حيث التغلغل بدأ بشكلين، بدعم قتالي بين المسلمين والمسيحيين في البوسنة والهرسك وكوسوفو وبدعم مالي استثماري جاء عبر نافذة وبوابة تركيا، التي تغطت وتخفت بأرصدة خليجية انسابت لدويلات يوغسلافية جديدة صغيرة رمادية، أما الجبهة الثالثة التي اهتم بها الإخوان وتركيا فهي دول آسيا الوسطى والقوقاز (الأوروآسيا)، التي كانت سابقًا تعتبر جمهوريات سوفيتية. وشكلت تلك المساحة الجغرافية الشاسعة جسرًا حيويًا واقتصاديًا بين الصين وروسيا الاتحادية فيما تركيا الواقعة في جنوب تلك المساحة، سال لعابها للسوق المفتوحة الجديدة والى منابع النفط والغاز الغنية. كان على الغرب الرأسمالي ومؤسساته وشركاته أن يتغلغل لهذه المنطقة لأهميتها الجيوسياسية، فمن جهة يريد عزلها عن ماضيها السياسي وفي ذات الوقت الحفاظ على استقرارها وتنميتها محاولاً بعث الروح العثمانية الحليفة لتلك الجمهوريات الجديدة الناشئة المرتبكة في خياراتها الحديثة، دون أن يتخلى العالم الحر وتركيا عن حذره من موجة الارهاب العالمي المتصاعد وتوسع وتمدد الاسلام السياسي، الذي بدأ يرفع رأسه بقوة في تلك البلدان، وكانت امام تلك الجمهوريات التجربة السيئة السلبية في البلقان والشيشان. نجت تلك الجمهوريات بالنأي بنفسها عن خطورة مؤثرات خارجية قادمة من دول الجوار كالصين وإيران وأفغانستان وتركيا والتكوينات الإسلامية العرقية في روسيا الاتحادية المنهكة بأجندتها الداخلية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. في هذا المناخ تشكلت الخريطة السياسية الجديدة لآسيا الوسطى والقوقاز، وكان تنظيم الإخوان يعمل بخطاب أذكى من نهج الجماعات الجهادية المتطرفة بخطاب العنف والقوة والتكفير. كان على الإخوان إعادة الروح الإسلامية في دول وجمهوريات ظلت مفصولة أو مغيبة عن دينها وتدينها لحقبة تاريخية، فكان خطاب حقوق الإنسان والهويات العرقية والدينية أفضل خطاب يتسلل من خلاله التنظيم العالمي للإخوان مع تنشيط كل التكتيكات السابقة التي راكموها في العالم العربي والإسلامي كما هو حق بناء المساجد والعمل الدعوي وتشجيع الصناديق الخيرية وتحفيظ دروس القرآن ومنح بعثات دراسية للجيل الشاب من تلك المناطق الى الدول العربية والإسلامية، التي كانت تتوق في حربها الإيديولوجية مع الإخوان في طمس جذور الإسلام بآسيا الوسطى. تحالف وتعاون الإخوان والتستر مع الأنظمة الخليجية وغيرها لانتشال تلك المجتمعات من تخبطها، فبدأت تضخ الاستثمارات إلى تلك المناطق وتنتعش وتزدهر موجة «الحجاب» الإسلامي المؤدلج مع ملامح تلك اللحى السلفية القادمة إلى تلك الجمهوريات من بيئات إسلامية مختلفة، وكثرت الزيجات المختلطة والبعثات والزيارات والتبرعات والبرامج. تلك المظاهر كانت واضحة وخطرة على الهويات الثقافية التاريخية لآسيا الوسطى، وقد كانت روسيا الاتحادية أكثر وعيًا ويقظة وإدراكًا لتلك الاجندة الخفية منذ نافذة داغستان والشيشان وحروبها، الحرب الشيشانية الأولى (1994-1996 والثانية ما بين 1999-2009). تراجعت الدول والأنظمة العربية من الانفلات والحماس في نمط الدعم والمساندة، تاركة الإخوان لمصيرهم مع جماعات إسلامية متشددة أخذت تبعث شبابها للقتال في ساحات مشتعلة كالبلقان والشيشان والشرق الأوسط وغيرها من ساحات إسلامية. زاد الانكشاف والانسحاب للأنظمة الخليجية من تلك المناطق بعد أن تصاعدت موجة الإرهاب العالمي واتساع نطاق الخوف منها بقوة مع انفجار البرجين في نيويورك في (سبتمبر 2001).
مشاركة :