نعلم لماذا يكره تنظيم الإخوان المسلمين الرئيس جمال عبدالناصر، فقد كان الصراع معهم عنيفًا وقاسيًا، فأصبح الاخوان تنظيمًا محظورًا منذ محاولة اغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية في 26 أكتوبر 1954 لغاية وفاته في 28 سبتمبر 1970. وبذلك العسف والتعذيب في عهد عبدالناصر تم زج غالبية وأهم العناصر القيادية في السجون المصرية كما هرب جزء منهم للمنافي، فتم إيقاف تمدد الاخوان في مصر، غير انهم خلال سنوات الحظر تلك كانوا يحظون بعمل محدود لم يجد فيه نظام عبدالناصر خطرًا حقيقيًا بعد تجريفهم من العمق يشاطرهم الشيوعيون المصير نفسه في تلك الحقبة. وشكلت هزيمة حزيران 1967 سعادة بالغة للاخوان وانعطافًا وانكسارًا في النظام الناصري والعربي كما انها «علامة فارقة» في تاريخ مصر وكانت حرب 67، هي البذرة الاولى التي أدت الى تنمية التيار الاسلامي في مصر. بمعنى أن 67 سواء كانت هزيمة او نكسة كشفت عما حدث من قهر وظلم واستبداد، كما أشار منتصر الزيات في كتابه «الجماعات الاسلامية رؤية من الداخل». لم يدم طويلاً عبدالناصر بعد الهزيمة فقد توفي بعد ثلاث سنوات من تلك الخيبة (توفي 28 سبتمبر 1970) فكان صعود السادات لسدة الحكم البارقة الاولى لعصر ذهبي هام، حيث سينفرج الوضع السياسي باطلاق جميع السجناء ومن ضمنهم قادة الاخوان المسلمين. كانت السنوات الثلاث الاولى من الهزيمة تؤسس للحراك القادم لتنظيم الاخوان ولكن شوكتهم استقوت مع مناخ حكم السادات الجديد خاصة مع احداث وقعت في 15 مايو 71 التي اطلق عليها «ثورة التصحيح» وبدأت تمثيلية وتوجهات السادات بضرورة استئصال اعدائه من رجالات عبدالناصر في الحكم، ومن هنا سيكون للاخوان دور بارز في دعم هذه التوجه. ظل السادات في خطبه يتحدث عن الحريات، وكانت قصص انتهاكات الحريات التي سمعنا عن وقوعها في عهد سلفه كثيرة – كما يشير الزيات – كما كان السادات يتحدث باسلوب خطابي بسيط عن دولة «العلم والايمان» بعد أن أحرق أشرطة التنصت على المعارضين وهدم سجن طرة الشهير الذي كان رمزًا فظيعًا لانتهاك حقوق الانسان، فاصبح السادات في نظر الجماعات الاسلامية وفي مقدمتهم الاخوان المسلمين «رجل ديمقراطي بمعنى الكلمة» وسمى نفسه «الرئيس المؤمن»، كما أن انتصار السادات في حرب اكتوبر 73 منحه لقب «قائد معركة العبور». ويكتب الزيات في كتابه الجماعات الاسلامية قائلاً: «ارتباط النصر في 1973 بصحبة الله كان سببًا مهمًا وكبيرًا في تحول منتصر الزيات وأحمد الزيات وقطاعات كبيرة من طلبة الجامعات خصوصًا نحو التدين والعودة الى الله، علما بأن الاجيال التي قبلنا عانت من ويلات السجون ومن المعتقلات، وخير مثال على ذلك ما حدث للاخوان المسلمين. ثم انطلقنا نحن جيل السبعينات وحدث لنا تحول كان سببه الاساسي انتصار الجيش المصري في 1973، فضلا عن كونه نتيجة مباشرة للتدين والرجوع الى الله،،. هذا الفضاء السياسي الجديد في مصر في عهد حكم السادات (1971- 1981) سيتعرج صعودًا وهبوطًا مؤشراته في فترات مختلفة. كانت بداية الجماعات الاسلامية بكل تياراتها شهر عسل غير انها ستعود للوراء وسيكون ايقونة بطل العبور لاحقًا مثال الخائن الأكبر بعد زيارته للقدس (19 نوفمبر1977) ثم تبعه توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. تمركز تركيز عمل الاخوان والجماعات الاسلامية على طلبة الجامعات التي احتوت عناصر من مجتمعات فقيرة وبائسة ومن طبقات اخرى ممزقة وتائهة تاريخيًا. كما ان للتضخم السريع ديمغرافيا فإن الوضع الاقتصادي والمعيشي والسكني جعل المجتمع المصري المتدين أكثر التصاقًا بالعمل الدعوي النشط في المساجد وللجماعات الاسلامية ايضا. ومن عصر ظلمات الاقبية في السجون الى العصر الذهبي انتعش وبرزت التيارات الاسلامية وجماعاتها، ففي جامعة اسيوط بدأت اول نواة للجماعة الدينية قبل ان يصبح اسمها،،الجماعة الاسلامية»، ويؤكد منتصر الزيات «ان السادات أفرج عن الإخوان المسلمين وفتح لهم مجال العمل السياسي من اوسع ابوابه، وبدأت القيادات الاسلامية التحرك مستخدمة هذا الحق، وفي مقدمتها شكرى مصطفى وعبدالله السماوي، ويمكن القول إن» (فكرة التكفير) التي كان يتبناها شكري مصطفى، الذي كان من شباب الإخوان تبلورت داخل السجن، وقد خرجت من عباءة الاخوان بحكم انتمائه داخل السجن للإخوان». وبالتأكيد - يقول منتصر الزيات - إن الدور الحيوي لتوسع طرح هذه الافكار الاسلامية المتشددة في جامعة اسيوط يعود الى عامل اساسي وهو توجيه الرئيس السادات بفتح القنوات الرسمية أمام التيار الاسلامي كما لعب محافظ اسيوط محمد عثمان اسماعيل المقرب للسادات دورًا تحريضيًا ومركزيًا، اذ نصح السادات بضرورة فتح الباب للتيار الاسلامي لضرب التيارات الناصرية واليسارية، ويومها كان المناخ السياسي ساخنا في جامعة أسيوط أكثر وأشد من مناخ جامعة القاهرة. ويشهد الدكتور محمود جامع بأنهم أوجدوا الجامعة الدينية لتتحرك من داخل عباءة السلطة بالريموت عن طريق رموز النظام في ذلك الوقت من أجل أن يقضوا على التيار اليساري. ص37، الجماعات الاسلامية، رؤية من الداخل، منتصر الزيات.
مشاركة :