تلك البلد الصغيرة في أقصي غرب العالم القديم، هذا الشعب المحصور في شريط بعيد من الأرض بين صخور تلالها و محيط أسماه عرب ذلك الزمان بحر الظلمات، هؤلاء الناس كانوا يريدون متنفسا ، لديهم حلم يتحدي الواقع ،و يأخذ المشاعر، و يشحذ الهمم؛ المحيط هادر جبار، مظلم مخيف، لكن قرب شاطئه أقاموا فنارا، السفن تهتدي بنوره، و الناس علي البر تراه نورا يبزغ بأمل بعيد. أمل يبعث علي اليقين، ويقين يدفع هؤلاء البحارة الشجعان الي ان يخاطروا بحياتهم من أجل هدف لا يرونه الا في أرواحهم، لا يعرفون ماذا تجلب الرياح العاتية و الأمواج القاسية، و لا يدرون من منهم سيفني و من سيعود، و ما اذا كان الهدف يستحق تلك المعاناة أم هو معاناة أعظم و بلاء و أمراض. يقين آخر علي البر لدي الأمهات و الأرامل و الزوجات و البنات، ان ذويهم سيعودون، حتي لو ان النفس البشرية ليست بمعزل عن المخاوف و الهواجس و الاحزان.ففي لحظات الحيوية و الحدس تري النور أملا ، يحيا بالحب، فمنهن من تبكي ابنا تركها الي مهمة مستحيلة،ترجو الله صابرة ان يعود، و منهن من لم تجتنب إجتراء لوعة الفراق و كآبة الوحدة، و منهن من تلجأ لصخور الشاطئ ،تستلهم نور الأمل، تتخيل المحيط أثيرًا يحمل رسالة عشق و ورود الي حبيبها، فتبتسم، و لأجله تغني و ترقص ،و كأنه عاد، و كأن الحلم أصبح حقيقة فرضت نفسها علي أرض الواقع.قصة هي من تاريخ بلد صغير اصبح لقرون قوة عظمي، ربما علي حساب سكان أراضي اكتشفوها، فتلك هي طبيعة السياسة و سيرة التاريخ، قصة خلدوها بأغاني الفادو المليئة بالحنين للوطن و الأحباب، لكنها انسانيا قصة الأمل و الجسارة و المثابرة و الإيمان و اليقين، و قصة أحزان الفراق و لوعة الحب و الحنين للذكريات و العشق غير المشروط. هي قصة مشاعر كل منا في قمتها حين يواجه أنماطًا عديدة من سبل الحياة و الواقع و التحديات، فهل يمكننا ان نتحلي بجسارة هؤلاء البحارة، و بعشق هؤلاء النساء، و بيقين ذلك الشعب، و بحنين كهؤلاء لجذورنا في مصر القديمة التي انارت بحضارتها العالم آلاف السنين، و ألهمت بحكمتها وجدان الخلق، فكانت لهم فجر الضمير؟
مشاركة :