أفول العصر الذهبي للإخوان (18)

  • 11/12/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في السادس من ابريل عام 2009، وبعد أن اعتلى باراك اوباما منصبه بشهور قليلة، كان عليه ان يحط في انقرة. فلماذا تم اختيار تركيا ضمن جولاته المكوكية في الشرق الاوسط؟ لم تكن الزيارة لتعزيز العلاقات مع حليف تاريخي مهم وحسب، بل ولشرح ما ينبغي ان تلعبه تركيا الاسلامية المعتدلة من دور في العالم الاسلامي بهدف خلق منافس في الضفة الاخرى للتقليل من دور السعودية في العالم الاسلامي ونزع قيادته التاريخية.  بعد إلقاء كلمته في البرلمان التركي في انقرة حلّق الرئيس الجديد باراك اوباما نحو اسطنبول، للمشاركة في المنتدى الثاني لتحالف الحضارات، الذي يهدف الى تعزيز الحوار بين الثقافات وتجاوز سوء التفاهم بين العالمين الغربي والاسلامي !. وبذلك منح اوباما والادارة الجديدة في البيت الابيض «الراية الاسلامية» لتركيا لتقود العالم الاسلامي، ولابد من انها ستجر خلفها أكبر حزب اسلامي هو تنظيم الاخوان، ليلعب معها دورًا مثيلاً في الساحة الدولية وخاصة الشرق الاوسط «الكبير».  بعد هذا اللقاء سنشهد مدى تحول الساحة التركية حاضنا مهما وحصنا للجماعة كمنفذ وخيار جديد، بعد أن تم محاصرتهم وملاحقتهم في العالم. وبتحول تركيا إلى فردوس جديد لتنظيم الإخوان كانت قطر في الضفة الاخرى بكل هدوء، تقدم كل ما يمكنه فعله سياسيا وماليا واعلاميا للتنظيم من خلال «حلقة القرضاوي الاخوانية !» وتتحول الساحتين القطرية والتركية، فضاء للإعلام ومراكز للتدريب والمؤتمرات والمنتديات إلى جانب سندها المالي للإخوان الفارين والمطلوبين والمستقرين.  بعد ترتيب الوضع في تركيا ودورها القادم كان على اوباما في 4 يونيو 2009 (بعد ما يقرب من شهرين) ان يكون في قاعة الاستقبال الكبرى في جامعة القاهرة / العاصمة وقد شاركت جامعة الازهر في الاعداد للحدث!. وسبق وإن أشار اوباما أثناء حملته الانتخابية بأنه سوف يوجه رسالة إلى المسلمين من عاصمة اسلامية في الاشهر الاولى من رئاسته !! وكونها مصر تمثل «قلب العالم العربي من مختلف الجوانب» وفق تعبير البيت الابيض. لم تغب من خطبة اوباما في جامعة القاهرة عدة قضايا استراتيجية كالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، ولكن مسألة التركيز على «الفهم المتبادل بين العالم الاسلامي والعالم الغربي» كان من صلب اهتمامه، وعليه تم تسليم مفاتيح المعبد الخفي لتنظيم «الاخوان المعتدل !» كما وصفه في وثيقته الخطيرة، لنجد حقيقة ما كان يسعى اليه باراك اوباما في منطقة الشرق الاوسط وبالذات في فترة ما قبل شهور ما اطلق عليه «بالربيع العربي» وبعده حتى لحظة صعود محمد مرسي لسدة الحكم من خلال الانتخابات الرئاسية المحبكة.  لم تكن شخصية اردوغان قبل فترة الالفية إلا ذلك الموظف الصاعد في بلديات اسطنبول وقد امضى 15 عامًا من حياته في كنف حزب الرفاه (1983 – 1998) وثلاث سنوات في حزب جديد آخر هو حزب الفضيلة (1998 - 2001) ولكن طموح اردوغان كان اوسع مدى من تجربة سياسية امضاها في التنظيمين ليؤسس لاحقًا حزبًا جديدًا اخر مع مجموعة جاءت من احشاء تجربة اسلامية وتنظيمية محافظة، فكان لابد من تأسيس حزب ينزع عن شكله الخارجي صبغة اسلامية متشددة في زمن تصاعد رغبة الشارع التركي الضاغط نحو عضوية الاتحاد الاوربي.  فجاء ميلاد تسمية حزب العدالة والتنمية (2001 - 2020) ليبعث برسالة للاوربيين والعالم بأنه جاء من عباءة اتاتورك التحديثي، وبأن حزبه رغم اسلاميته لا يبتعد عن تلك المسافة الاوروبية العلمانية نحو الليبرالية والديمقراطية في مجتمع اسلامي حداثي، ووسطي ومعتدل.  بعد تدثر اردوغان بتسمية جديدة، فإنه في الوقت نفسه تحول للإخوان بمثابة الخليفة الجديد المرتقب، وبأن تركيا وحدها قادرة في الألفية الثالثة على لعب الدور الامبراطوري العثماني بإحياء نزوات الماضي التوسعية للخلافة كقوة اقليمية قادمة.  من هنا نفهم لماذا أعلنت حماس بعد مؤتمر دافوس قولها الشهير: «على الحكام العرب أن يقتدوا به، أهلاً وسهلاً بزعيم العالم» لتصبح الصرخة هذه المرة قادمة من إخوان غزة وليس مصر أو التنظيم العالمي للإخوان. وكأنما وكلت هذه المرة حماس ان تنوب عن الجماعة لذلك المشروع المنتظر بخليفته وزعيمه ومركزه الجغرافي سياسيًا.

مشاركة :