تواصل – فريق التحرير : يصادف اليوم 5 رجب، العديد من الأحداث التاريخية، وفي هذه الفقرة تسلط “تواصل” الضوء على أبرز هذه الأحداث 15 هـ معركة اليرموك في مثل هذا اليوم من عام 15 هـ، الموافق 15 أغسطس 636م، نشبت معركة اليرموك بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وجموع الروم (الإمبراطورية البيزنطية)، في وادي اليرموك، وكانت معركةً هائلةً انتصر فيها المسلمون، وكان من آثار. وتعتبر معركة اليرموك من أهم المعارك في تاريخ العالم؛ لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام. جيوش المسلمين قبيل اليرموك قررت الجيوش الإسلامية الانسحاب من الجابية بالقرب من دمشق إلى اليرموك بعد تقدم جيش الروم نحوهم. تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بعد أن تنازل أبوعبيدة بن الجراح، كانت قوات جيش المسلمين تعدّ 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تبلغ 240 ألف مقاتل. حيث سلسلة من العمليات العسكرية المخططة بعناية والمنسقة جيدًا، كان من نتائجها الفتح الإسلامي للشام، وتبين للجيوش الإسلامية في الشام أنها أقل عددًا للتعامل مع الرد البيزنطي، وطلب قادتها التعزيزات؛ فأرسل الصديق لخالد بن الوليد ليرسل تعزيزات عسكرية من العراق إلى الشام. وتوفي الخليفة أبو بكر الصديق؛ فقرر خلفه عمر بن الخطاب إكمال التوسع الإسلامي أعمق إلى الشام. وأمنت الفتوحات جنوب فلسطين، وتقدمت القوات الإسلامية إلى الطريق التجاري حيث سقطت طبريا وبعلبك من دون عناء كبير وغزا المسلمون مدينة حمص؛ وبذلك أكمل المسلمون غزوهم عبر الشام. البيزنطيون قبيل اليرموك كان البيزنطيون قد هزموا على نحو حاسم في معركة أجنادين، وسقطت مدينة دمشق، وتبعها معركة فحل حيث هزمت وهلكت آخر المعاقل العسكرية المهمة للبيزنطيين في فلسطين. كان جيش البيزنطيين يتألف من خمسة جيوش، يقود ماهان (أو فاهان) ملك أرمينية جيشه الأرمني، ويقود الأمير “قناطير” السلافي، أو الروسي، جيشه من الشعوب السلافية، وكان ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم الغساني على رأس جيش المسيحيين العرب، وكانت الجيوش الأوروبية كاملة تحت قيادة غريغوري ودريجان، ويتولى دريجان قيادة الجيوش مجتمعةً. كما شارك تيودوروس، شقيق القيصر هرقل في المعركة، “دارقص أو سقلاب”، وهو خصي لهرقل يقود الآلف من المقاتلين الروم. وعبأ باهان جيشه كعادة البيزنطيين في ذلك العهد في كراديس، كل كردوس مؤلف من ستمائة جندي، ثم في فرق وكل فرقة مؤلفة من عشرة كراديس، ورتب هذه الكراديس في ثلاثة خطوط، فوضع أربعة كراديس في الخط الأول، وثلاثة في كل من الخطين الثاني والثالث، ثم وضع الرماة في المقدمة، والخيالة في الجناحين، وبهذه التعبئة شكلت كراديس المشاة قلب الجيش الذي رتب ثلاثين خطًا، وأوكل إلى كل من هذه القوى مهمات قتالية محددة، ووضع القساوسة أمام كل خط يحملون الصلبان في أيديهم لبث الحماس في نفوسهم الجند، وفعلًا دفع الحماس ببعض الجند أن ثلاثين ألفًا منهم وضعوا القيود في أرجلهم، حتى لا تراودهم فكرة الانسحاب. وعلى ميمنة جيوش الروم؛ جند غريغوري، وقد ربطوا أرجلهم بالسلاسل تعبيرًا عن تصميمهم على الصمود تحت كل الظروف، ورمزا للشجاعة، كما أن السلاسل يمكن أن تستخدم ضد خيول المسلمين في حال حدوث خرق في صفوف جيش غريغوري. وهو ما جعل حركة الجنود بطيئة. خالد بن الوليد يقود الجيوش عندما وصل خالد أعاد تنظيم الجيش، فجعل ربع جيش المسلمين من الخيالة، وكانوا حوالي 10 آلاف فارس، وقسم الجيش إلى 36 كتيبة “كراديس” من المشاة وزعت على أربعة ألوية مشاة، جعل منهم إثنين في القلب بقيادة أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، والميسرة بقيادة يزيد بن أبي سفيان، والميمنة بقيادة عمرو بن العاص. شكل خالد بن الوليد كل لواء من تسعة سرايا، منظمة على أساس التجمع القبلي أو العشائري، بحيث يقاتل كل واحد إلى جانب أخيه المسلم من عشيرته أو قبيلته. ونصب أمراءً للكراديس منهم: هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن خالد بن الوليد، وسعيد بن خالد بن العاص، وخالد بن سعيد بن العاص. وأنشأ خالد لواءً للاستطلاع يقوم بمراقبة أرض المعركة كاملة، وكانت خط الجبهة يمتد إلى 11 ميلًا فيتجه المسلمون غربًا في مواجهة الروم، وإلى الجنوب إلى يمين الجيش الرومي يمر نهر اليرموك، وشمالًا على بعد أميال باتجاه الجنوب الغربي طرف وادي الرقاد. وجعل على قيادة فرق الخيالة ضرار بن الأزور ينوب عن خالد في قيادتهم حال انشغال خالد، وقادة الفرق، قيس بن حبيرة، وأمير بن طفيل، وميسرة بن مرزوق، حيث تلعب فرق الخيالة دور الوحدات الاحتياطية للتدخل في حال أي تراجع يحدث للألوية الإسلامية. معركة اليرموك استمرت المعركة ستة أيام، رد فيها المسلمون هجمات الروم، وكان خالد بن الوليد يستخدم “سرية الخيالة المتحركة السريعة” التي يقودها بنفسه؛ ليتحرك بسرعة خاطفة من مكان إلى آخر حيث يكون جيش المسلمين في تراجع تحت ضغط الروم، ويعود كل من الجانبين في نهاية النهار إلى صفوفه الأولية قبل القتال أو إلى معسكراته. خلال الأربعة أيام الأولى جرى الأمر على ذلك، وخسر الروم أعدادًا أكبر من خسائر جيش المسلمين، رفض خالد في اليوم الخامس “هدنة ثلاثة أيام” عرضها الروم بقوله المشهور لرسول الروم “نحن مستعجلون لإنهاء عملنا هذا”. تحولت إستراتيجية خالد من الدفاع إلى الهجوم في اليوم السادس، وشن هجومًا مجازفًا على الروم، واستفادة من إمكانيات “سرية الفرسان سريعة التنقل”؛ ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم. الصحابيات يشاركن في اليرموك وفي معسكرات المسلمين الخلفية من خلف الجيوش قاتلت نساء المسلمين في هذه المعركة، وقتلن عددًا كبيرًا من الروم، وقتلت خولة بنت الأزور، وكن يضربن من انهزم من المسلمين بالحجارة ويزجرنهم، وفق تعليمات خالد عند قدومه وتنظيمه لجيش المسلمين، ويصرخن قائلات: “أين تذهبون وتدعوننا للعلوج”، وعندئذ يرجع المنهزمون، وقد تكرر ذلك في كل يوم من أيام المعركة، حتى قيل أن بعض المقاتلين عندما كانوا يهمون بالفرار إلى الخلف كانوا يقولون “مواجهة الروم ولا مواجهة نسائنا” وبعدها يكر المسلمون لشن الهجوم المعاكس. وانتصر المسلمون في آخر مراحل المعركة تقدم جنود المشاة المسلمون من الشرق وفرسان خالد بن الوليد من جهة الشمال ليصلوا إلى الوحدة الخيالة المسلمين التي تراقب المعبر الضيق من جهته الغربية. وإلى الجنوب كان هناك الجرف العميق التابع لنهر اليرموك والتي تراجعت إليه القوات البيزنطية وبدأ الانحصار. كان باهان يراقب تطور سير القتال، وحين لاحظ تراجع مقدرة رجاله القتالية أدرك أن المعركة خاسرة، فالتمس له ولفرسانه طريقًا للنجاة، ولاحظ خالد ذلك، ففتح له ثغرة باتجاه الشمال نفذ منها، وانسحب من المعركة مع أربعين ألفًا من فرسانه، وحمل المسلمون على من تبقى من القوات البيزنطية، والتي كانت أشبه بكتل بشرية ضخمة تدور حول نفسها، ولا تعرف من أين تؤتى، فتراجع الجنود تحت ضغط القتال نحو وادي اليرموك دون وعي، فسقط أكثرهم في الواقوصة، ولم تكد تغرب شمس ذلك اليوم حتى كان آخر مقاتل بيزنطي قد أخلى ساحة القتال، إما هاربًا أو جثة هامدة أو في قاع الوادي. ويذكر مؤرخ بيزنطي عاصر المعركة أن الجيش البيزنطي عبر نهر الأردن متسللًا إلى بلاد العرب تاركًا معسكره مكشوفًا على شاطئ النهر، وذهب أفراده للقاء العدو وهم مشاة، وبدا عليهم التعب، والإرهاق بسبب سيرهم مسافات طويلة، وفي المقابل، تربص قسم من الجيش الإسلامي في كمائن متفرقة استعدادًا للانقضاض على البيزنطيين، وقد أقام المسلمون خيامهم حول معسكرهم ثم أحاطوا الخيام والمعسكر بالجمال بعد أن ربطوا أرجلها بالحبال، وعندما بدأ القتال، هاجمت القوات البيزنطية المسلمين، فانطلق هؤلاء من كمائنهم وهاجموا القوات البيزنطية التي أصابها الهلع والاضطراب، وعندما أرادت الفرار للنجاة بنفسها، فشلت بسبب غزارة الرمال لدرجة أن الجندي البيزنطي كان ينغرس فيها حتى ركبتيه، في حين راح المسلمون يطاردون فلول الهاربين، بالإضافة إلى ذلك، فإن البيزنطيين لم يتحلموا شمس الشرق المحرقة، في مثل هذا الوقت من العام، وهكذا تساقطوا بين قتيل وجريح، ولم ينج من المذبحة غير عدد قليل. بلغت خسائر البيزنطيين سبعين ألفًا، وقدرت خسائر المسلمين بثلاثة آلاف قتيل وجريح، كان من بين شهداء المعركة عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الأزور وهشام بن العاص وأبان بن سعيد وغيرهم، وكتب أبو عبيد بالنصر إلى عمر، وأرسل إليه سفارة صغيرة فيها حذيفة بن اليمان، وكان عمر لم ينم منذ ثلاثة أيام، وهو ينتظر أخبار اليرموك، وعندما جاءه البشير خر ساجدًا، وشكر الله . ………………………………………………………………………………………… 92 هـ طارق بن زياد ينزل إلى الأندلس وكذلك في مثل هذا اليوم من 92هـ الموافق الأول من مايو عام 711م، نزل طارق بن زياد إلى الأندلس بعد أن عبر البحر المتوسط، وذلك لغزوها بعد الاتفاق مع يوليان حاكم سبتة. عرفت الأندلس بـ «إسپانيا الإسلاميَّة» أو باسم «أيبيريا الإسلاميَّة»، وهي الآنْدَلُس أو الآنْدُلُس. وهي إقليمٌ وحضارةٌ إسلاميَّة قامت في أوروپَّا الغربيَّة، وتحديدًا في شبه الجزيرة الأيبيريَّة، على الأراضي التي تُشكِّلُ اليوم إسپانيا والپرتغال، التي فتحها المُسلمون وبقيت تحت ظل الخِلافة الإسلاميَّة والدُويلات والإمارات الكثيرة التي قامت في رُبوعها وانفصلت عن السُلطة المركزيَّة في دمشق ومن ثُمَّ بغداد، مُنذ سنة 711م حتَّى سنة 1492م حينما سقطت الأندلس بيد اللاتين الإفرنج وأُخرج منها المُسلمون، كانت حُدودها خلال هذه الفترة تتغيَّر، تتقلَّص ثُمَّ تتوسَّع، ثُمَّ تعود فتتقلَّص، وهكذا، استنادًا إلى نتائج الحرب بين المُسلمين والإفرنج. الأندلس والممالك المسيحيَّة المُجاورة قُسِّمت الأندلس إلى خمس وحداتٍ إداريَّة، وذلك بعد أن فتحها المسلمون، واستقرار الحُكم الإسلامي فيها، ومن تلك الوحدات منطقة أندلوسيا، والجُمهوريَّة الپرتغاليَّة، ومنطقة جليقية (غاليسيا)، ومنطقة أراگون المُعاصرة؛ ومنطقة قشتالة، ومملكة ليون، وكونتيَّة برشلونة، ومنطقة سپتمانيا التاريخيَّة. كانت الأندلس تُشكِّلُ ولايةً من ولايات الدولة الأُمويَّة زمن الخليفة الوليد بن عبد الملك، وبعد انهيار الدولة الأُمويَّة وقيام الدولة العبَّاسيَّة، استقلَّ عبد الرحمٰن بن مُعاوية، وهو أحد أُمراء بني أُميَّة الناجين، استقلَّ بالأندلس وأسس فيها إمارة قُرطُبة، فدامت 179 سنة، وقام بعدها عبد الرحمٰن الناصر لِدين الله بإعلان الخِلافة الأُمويَّة عوض الإمارة، وقد تفككت الدولة الأخيرة في نهاية المطاف إلى عدَّة دُويلات وإمارات اشتهرت باسم «الطوائف». كانت الإمارات والدُول الأندلُسيَّة المُتعاقبة مرتعًا خصبًا للتحاور والتبادل الثقافي بين المُسلمين والمسيحيين واليهود من جهة، وبين العرب والبربر والقوط والإفرنج من جهةٍ أُخرى، وقد انصهرت هذه المُكونات الثقافيَّة في بوتقةٍ واحدة وخرج منها خليطٌ بشري وحضاري ميَّز الأندلس عن غيرها من الأقاليم الإسلاميَّة، وجعل لها طابعًا فريدًا خاصًا. كانت الشريعة الإسلاميَّة هي المصدر الأساسي للحكم والقضاء وحل المُنازعات، وترك المُسلمون أهل الكتاب من اليهود والنصارى يرجعون إلى شرائعهم الخاصَّة للتقاضي والتظلُّم، لقاء الجزية. شكَّلت الأندلس منارةً للعلم والازدهار في أوروپَّا القروسطيَّة، في حين كانت باقي القارَّة تقبع في الجهل والتخلُّف، وأصبحت مدينة قُرطُبة إحدى أكبر وأهم مُدن العالم، ومركزًا حضاريًا وثقافيًا بارزًا في أوروپَّا والعالم الإسلامي، تنافس بغداد والقُسطنطينيَّة. ساهم عُلماء الأندلُس بتقدُّم مُختلف أنواع العُلوم في العالمين الإسلامي والمسيحي، ومن هؤلاء على سبيل المِثال: جابر بن أفلح في علم المُثلثات، وإبراهيم بن يحيى الزرقالي في علم الفلك، وأبو القاسم الزهراوي في الجراحة، وابن زُهر في الصيدلة، وغيرهم. صراعات طويلة عاشتها الأندلس مع الممالك المسيحيَّة الشماليَّة أغلب تاريخها، وبعد أن تفككت دولة الخِلافة فيها وقامت دُويلات مُلوك الطوائف، تشجَّعت الممالك المسيحيَّة على مُهاجمتها وغزو أراضيها، بِقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة. انتفضت دولة المُرابطين بالمغرب الأقصى لِنُصرة الأندلس، وتمكَّنت من صد الهجمات الإفرنجيَّة والقضاء على استقلال جميع دُويلات الطوائف، فأصبحت الأندلس ولايةً من ولايات الدولة المُرابطيَّة، ووريثتها الدولة المُوحديَّة من بعدها. تمكَّن ألفونسو السادس من السيطرة على طُليطلة سنة 1085م، فتمكَّنت الممالك المسيحيَّة الإفرنجيَّة من التفوّق على المُسلمين، وأخذت باقي المُدن الإسلاميَّة تتساقط بيد الإفرنج الواحدة تلو الأُخرى، وفي سنة 1236م سقطت قُرطُبة، وأصبحت إمارة غرناطة خاضعة لِسُلطان مملكة قشتالة وتدفعُ لها الجزية لقاء عدم التعرُّض لها. وفي سنة 1249م تمكَّن ألفونسو الثالث ملك الپرتغال من انتزاع منطقة الغرب من المُسلمين، الأمر الذي جعل من غرناطة الحصن الوحيد والأخير للمُسلمين في الأندلس. في يوم 2 ربيع الأوَّل 897هـ المُوافق فيه 2 كانون الثاني (يناير) 1492م، استسلم أمير غرناطة أبو عبد الله مُحمَّد الثاني عشر إلى الإفرنج وسلَّم المدينة إلى الملكين الكاثوليكيين: إيزابيلَّا القشتاليَّة وفرناندو الثاني الأراگوني، مُنهيًا بذلك العصر الإسلامي في أيبيريا. نزح المُسلمون من الأندلس بِأعدادٍ كبيرة، وتبعثروا في المغرب العربي ومصر والشَّام والآستانة عاصمة الدولة العُثمانيَّة. وكان العُثمانيون قد خططوا للهُجوم على الأندلس واستردادها، لكنَّ الخطة لم تُطبَّق لانشغال الأُسطول العُثماني بفتح قبرص، وعدم تمكنهم من التوصل إلى اتفاق مع الدولة السعديَّة المغربيَّة. فكرة فتح الأندلس لم تكن فكرة فتح الأندلس فكرة قديمة، فقد قال عثمان بن عفان – رضي الله عنه – : “إن القسطنطينية إنما تُفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان”. وعندما لم يستطع المسلمون فتح القسطنطينية بعد محاصرتها، فكان مقصده – رضي الله عنه – أن المسلمين لن يستطيعوا فتح القسطنطينية إلا بعد أن يفتحوا الأندلس أولًا. وقد بدأ الإعداد في ولاية موسى بن نصير، حيث أُرسلت سرية استكشافية إلى الأندلس لمعرفة أحوال هذه البلاد ولمعرفة أنسب موقع لنزول الجيش. تسلم طارق بن زياد رسالة أٌخبِرَ فيها بأن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أَذِنَ بنشر الإسلام في الأندلس، فأخذ طارق جيشًا قوامه سبعة آلاف مجاهد، واتجه للشمال في شعبان سنة ٩٢ه من سبتة عابرًا مضيق جبل طارق، ثم انتقل وجيشه إلى مكان واسع -الجزيرة الخضراء-، وهناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس، وانتصر عليه. أرسل زعيم الجيش الجنوبي “تدمير” رسالة استغاثة إلى حاكم الأندلس لذريق في طليطلة، الذي قتل غيطشة حاكمها الأسبق واستولى على الحكم وفرض الضرائب وظلم وجار؛ فكرهه شعب الأندلس. يقول تدمير للذريق في الرسالة: ” أدركنا يا لذريق، فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء”. فجمع لذريق جيشًا قوامه مئة ألف فارس، واتجه جنوبًا لملاقاة المسلمين. ولما علم طارق بن زياد بهذا الأمر، بعث لموسى بن نصير يطلب منه المدد بالجنود. فبعث له موسى خمسة آلاف مجاهد بقيادة طريف بن مالك، فلمّا وصل المدد لطارق خرج ليبحث عن موقع مناسب للحرب، فاستقر في منطقة تُسمَّى وادي برباط ولها أسماء أخرى مثل وادي لكة أو لقة. معركة وادي لكة في ٢٨ من رمضان ٩٢ ه التقى الجيشان، والفارق كبير في العدد والعدة، ورغم ذلك انتصر المسلمون، وقُتِلَ لذريق. واتجه طارق بن زياد بعد ذلك إلى أشبيلية ففتحها سلمًا، ثم منها إلى مدينة إستجة، وهُناك حدث قتال عنيف مع النصارى وكادوا يُهزمون ولكن صالحوا المسلمين على الجزية قبل إعلان هزيمتهم. لا يتعدى جيش المسلمين التسعة آلاف مقاتل، وبهذا الجيش فقط، أرسل طارق السرايا التي لا يزيد عدد المجاهدين فيها عن السبعمائة فارس لفتح المدن الجنوبية ففتح قرطبة، مالقة، غرناطة، مرسية، وقد انطلق هو بالقوة الرئيسية شمالًا إلى طليطلة وفتحها صلحًا، واستمر حتى وصل مدينة جيان. كانت وصية موسى بن نصير لطارق بألاَّ يتجاوز مدينة جَيَّان أو مدينة قُرطُبَة، وألا يسرع في فتح طليطلة، ولكن طارق رأى أن الطريق إليها الآن مفتوح أمامه ووجدها فرصة. كانت مدينة طليطلة هي العاصمة وهي من أحصن مدن النصارى، فهي محاطة بجبال من كل الجهات عدا الجهة الجنوبية، التي قد فُتِحَت، وغير ذلك من الأسباب التي أخذ بها طارق في فتح هذه المدينة. وبالفعل دخل طارق وجيشه المدينة ففتحها دون قتال. وواصل الزحف إلى الشمال فاتحًا، فدخل كل من قشتالة وليون، وطارد فلول القوط حتى أسترقة. وعبر طارق الجبال ووصل وجيشه حتى بلغوا خليج على المحيط الأطلسي. وهُنا فقط، انتهت فتوحاته. وفي هذا الوقت كان بن نصير يجهز جيشًا من المسلمين ليمدّ به طارق بن زياد في الأندلس. فلمّا وصل موسى بن نصير إلى طارق بن زياد وقد أمضى هذا الوقت وجيشه يفتحون المدن التي لم يفتحها طارق من الأندلس، أكملا الفتوحات معًا ففتحا سَرَقُسطَة وطَرَّكُونة وبَرشُلُونَة وغيرها.
مشاركة :