من المهم التوقف عند محاولة اختطاف الفرح عبر استنكاره ببيان رسمي من جامعة حكومية في السعودية، عندما قرأت عنوانه في الصحف تخيلت أن المقصودين به أقاموا حفلة في مكان خاص من دون حضور أهاليهم. القصة أن «بعض» خريجات وخريجي كلية الطب في جامعة الطائف احتفلوا بحضور عائلاتهم بتخرجهم في أحد «المولات»، والصورة التي أحسنت بعض الصحف في نشرها توضح الآتي: طالبات بالعباءة والنقاب يقفن خلف طاولة على يمين الصورة، وطلاب بجوار طاولة أخرى على يسار الصورة، فحتى «الطاولات» كانت بينها مسافة تمنع اختلاطها! الجامعة أصدرت بياناً تقول إنها غير مسؤولة عن الحفلة، وأنها تستنكر الاحتفال خارج أسوار الجامعة، ولا أعرف هل صدر البيان بناءً على مساءلة رسمية، وهو ما استبعده تماماً، أم أنه صدر فقط لتحسين الصورة الذهنية عن شريحة معينة من المجتمع، والواقع أنه تشويه لصورتها عند غالبية هذا المجتمع. أكاد أتخيل القصة ببساطة، بعض العائلات أرادت الاحتفاء بأبنائها وبناتها على الملأ، وبحضور الجميع الآباء والأمهات والأطفال والأصدقاء وحتى الغرباء لأنهم فخورون بهم، فذهبوا إلى مكان عام، واحتفوا أمام الملأ في صورة حضارية من المهم الإشارة إلى أنها خلت من التكلف والاستعراض، فلماذا نصادر على الناس فرحة بمنجز تعليمي تربوي مهني، في الوقت الذي ننشئ فيه، وبناءً على رؤية استراتيجية كانت حديث العالم هيئة كاملة ومتخصصة في الترفيه؟! لو كانت احتفالات الجامعات بالخريجين تشمل جميع أفراد الأسرة وتخرج من نمطية إلقاء الخطب العصماء، إلى بعض مظاهر البهجة والفرح لما ذهب الناس بأبنائهم إلى «المولات» للاحتفاء بهم. طالبات وطلاب الطب من واقع طبيعة دراستهم من أكثر الطلاب جداً واجتهاداً، ودراستهم هي الأطول بين جميع التخصصات، فلا أعتقد أن «تنفسهم الصعداء» يستوجب استنكار الجامعة وببيان رسمي أخذته بعض الصحف للأسف على علاته ونشرته من دون تعليق أو تصحيح، فيما نجحت صحف أخرى في تفنيده بالصورة ولقاء الخريجين. ما يجب إنكاره في الاحتفال بالتخرج هو ما تمارسه مدارس البنات، وفي جميع المراحل، ولكنه أكثر إيلاماً في مراحل رياض الأطفال والتمهيدي والمراحل الأولية، إذ تخترع المعلمات حفلات باذخة في قاعات مكلفة، وبتصاميم أزياء خاصة، وبتصوير يجب دفع رسومه، والكلفة تقع على عاتق الأسرة، وكثير من الأسر لا تستطيع، وبعضها لا ترغب على رغم استطاعتها. يقف الوالدان حائرين أمام الصغيرات، فلا يمكن «كسر خواطرهن» فيستجيبان على مضض، ولكن الألم الحقيقي الذي يوجد شرخاً في نفوس بعض الصغيرات عندما ترفض أسرتها المشاركة لضيق ذات اليد، أو لعدم قناعتها، أو حتى لبخل الوالد أو الوالدة، وكل هذه الأسباب لا يمكن شرحها لطفلة تظل المعلمات والمستفيدات من هذه الأموال يحقننها طوال أشهر بكلمة «حفلة التخرج». لا بد من ترك مساحة للناس يعبرون بطريقتهم عن أفراحهم، ولا بد للجامعات أن تغير حفلاتها إلى نمط أبسط وأكثر بهجة، ولا بد لوزارة التعليم أن تقف بحزم أمام طوفان تسليع الفرح وترسيخ أفكار مادية بحتة في أذهان الصغيرات. دعوا الكبار يفرحون، وعلموا الصغار الفرح الحقيقي الصادق.
مشاركة :