أعتقد أنّ بوصلة الصناعة لدينا منحرفة عن الاتجاه الصحيح، وأنّ مغناطيسها «خربان»، فالشمال يجعله جنوباً، والشرق يجعله غرباً، وهكذا!. ومن مظاهر هذا الخراب أنّنا صنعنا الأشياء الخفيفة لا الثقيلة، والكماليات أكثر من الأساسيات، وما لا نحتاجه أكثر ممّا نحتاجه!. وفضّل رجال الأعمال مضاعفة أرباحهم الشخصية بصناعات ثانوية على تأسيس صناعة رئيسة يُنافس بها وطنُنا العالم المتطوّر، وسط غياب المُرشِد الحكومي الذي يدلّهم أو حتى يُلزمهم بما يُفيد الوطن ويحتاجه من صناعات، فهناك أولويات في الصناعة مثلما هناك أولويات في كلّ المجالات!. وها نحن، وبعد انقضاء خطط تنمية كثيرة نراوح مكاننا، وما زلنا من أكبر المُستوردين للمصنوعات المهمّة، من إبرة الخياطة ومسمار البناء إلى السيارات والطائرات!. وليس هذا فقط، بل توسّعْنا في صناعة ما هو ضارّ وليس بنافع، ويسلب منّا الصحة، مثل ما نشرته جريدة الشرق الأوسط مؤخراً عن إنشاء بعض رجال الأعمال لأكبر مصنع للسكّر في الشرق الأوسط بقيمة ٣٢٠ مليون دولار، لإنتاج مليار طن سنوياً منه، قابلة لتكون مليارين خلال ٥ سنوات، وهكذا سنُغْري مجتمعنا على استهلاك مزيد من السّكّر، وستزداد نسبة إصابته بمرض السكّر من الثلث حالياً لما لا يعلمه إلّا الله، وستزداد نسبة الأمراض المرتبطة بالسكّر، ولو كان لدينا إرشاد حكومي وقائمة بالأولويات الصناعية لصرفنا هذا المبلغ الكبير في صناعة أفضل وأجْدى اقتصادياً، خصوصاً أنّ لدينا مصانع أخرى للسكّر تُغنينا عمّا سواها!. أنا أعلم أنّنا بلد حُرّ اقتصادياً، ويمكن لأيّ رجل أعمال إنشاء مصنعه، لكن هذا لا يعني أن نحصر صناعاتنا في غير العاجلة وغير المهمة، وأن نُهمل الصناعات العاجلة والمهمّة التي هي، ولا شيء غيرها، وسيلتنا للتقدّم وسيادة الأمم!. @T_algashgari algashgari@gmail.com
مشاركة :