بينما كان عبيد الله الورّاق يحدّث تلاميذه ومريديه إذ دخل عليهم رجل تعلو سيماه علامات الغضب وبيده (قوطي) من معدن وضعه أمام الجميع موجها حديثه لعبيد الله قائلاً: عهدنا الغش وعرفناه وبقدر الإمكان تلافيناه لكننا لم نكن نتخيل أن يصل الحال بهؤلاء المحتالين أن يزوّروا تاريخ الصلاحية ونحن " يا غافل لك الله ". أنظر يا رعاك الله كيف أن العفن قد استوطن داخل هذه العُلبة (القوطي) رغم أن تاريخ الصلاحية كما هو مدوّن عليها لازال ساري المفعول أمعقول أيها الورّاق أن يسترخصوا حياة الناس ويستهتروا بصحتهم..! أين كاتب السوق والتجارة ؟ أين شاهبندر التجار؟ أين قاضي القضاة عنهم؟؟. نظر عبيد الله الوراق (مُشمئزّاً) إلى ما في جوف العُلبة المعدنية وفحص التواريخ المدوّنة عليها فهاله أن رأى تاريخ الإنتاج لم يحن بعد أي أن الغشاش الذي دوّن تاريخ الصلاحية وقع في شرّ عمله فكتب تاريخاً مستقبلياً. قال والقوم في ذهولٍ : أعلموا رحمكم الله أنه حينما تنام الذمّة نومة أهل الكهف ويصبح الضمير عاطلاً عن العمل كعطالةِ الشباب في أوج قوتهم ونشاطهم ويتخلى أهل الديار عن أشغالهم و متاجرهم فيتسلم شؤونها وشؤونهم الأغراب فليتوقع الناس ما هو أشدّ وأشنع. ران الصمت على حلقة الدرس بينما عبيد الله مطرق برأسه وكأنه في أمنةٍ من نُعاس ثم رفع رأسه وقال : في الزمن الماضي حين يُردي الدهر الأعضاء ويصلد الزند وتشحب الجلود على الأجساد تُخرِج الأمّهات ما احتفظن به من قديد اللحم ومعجون الشحمِ والعصب والذي قد مر عليه حين من الدهر وهو في أحسن حال وأطيب مذاق ناهيكم عن غمر ما فاض من خضروات في الخلِّ والملح تحسباً ليوم يشح فيه الزرع ويجف الضرع. كُنّا في حال المستكفي بحاجاتنا والمستغني عن بهرج الحياة. عشنا في صحّةٍ وقوّة، وحينما ركن الناس للرفاه وطغى عليهم حب الاستهلاك والإسراف أصاب القوم ما أصابهم من وهن ومرض. طلب الرجل الغاضب صاحب (القوطي) الإذن بالكلام فأشار إليه عبيدالله أن يقول ما يود قوله. رفع الرجل علبته المعدنية قائلاً : ألاَ ترى معي أيها المُعلّم الأنجب أن أذهب إلى "حماية المستهلك" لرفع شكواي لعلهم يؤدبون ذلك الُمحتال الغشّاش؟ نظر عبيدالله الورّاق للرجل نظرة إشفاق وقال: سماعُك بالمعيديّ خيرٌ من أن تراه، " أقضب أرضك " فأنت ليس بأول من غرّهُ السراب.
مشاركة :