حدّث عبيدالله الورّاق وهو متكئ أمام أتباعه ومُريديه في صحن داره قائلاً: اعلموا رحمكم الله بأن الفيس بوك وشقيقه تويتر لم يكونا جديدين علينا ولم تأتِ فكرتهما من بلاد الفرنجة كما يدّعون بل إننا أوّل من استخدمها من بين الأمم. كان لدينا باحة تقع في الجهة الجنوبية الشرقية لمسجد البلدة الكبير يجتمع فيها كبار السن ومن لا عمل لهم وحتى (الطرقيّه) وهم عابرو السبيل وكذلك من يود التسلية بسماع بهيج الكلام وغريب السرد. يدور في تلك الباحة كل ما يخطر أو لا يخطر على البال من أحاديث يُشرّق بعضها ويُغرّب. كل شيء يُمكن أن يُقال حتى (المشفّر) من الكلام تُفك شفرته من قبل أحد (العيّارين) وهم فئة تخصصت في قول المباح وغير المُباح. وكما يحدث اليوم مع المفسبكين والمتوترين كان يحدث في ذاك الزمان إذ يعتمد المتحدث كما المُفسبك اليوم على وكالة (يقولون) أي لا مصدر موثوق لقوله. أصبحت باحة البلدة مصدراً للأخبار والأحاديث. ما على من يُريد إثارة الناس أيّاً كان الهدف إلا الهمس لأحد أركان الباحة من الرواد بما يود نشره حتى ينتشر القول كالنارِ في الهشيم في طول البلدة وعرضها. لا رقيب يُجيز النص ولا متحدث رسمي يؤكد أو ينفي ما يتداوله الناس والمصدر تلك الباحة العتيدة. أشرق وجه عبيدالله الورّاق وهو يقول: في أحد الأيام وصل إلى سمع مندوب الوالي قولاً يتناقله القوم بشيء من الخوف عن وحش يتربص بالرعاة خارج البلدة ليفترس المواشي ويُهلك القُطعان. بعد البحث والتقصي عرف المندوب مصدر تلك الإشاعة فأمر الجُند أن يرافقوه إلى باحة البلدة وهناك تم اكتشاف الحقيقة إذ لا وحش خارج البلدة ولا هم يحزنون حيث لم يفقد القوم أيّا من أغنامهم أو مواشيهم. كل ما في الحكاية أن أحدهم أراد ضرب أسعار المواشي فأطلق تلك الكذبة. أمر المندوب بتأديب من أطلقها حتى يكف عن أكاذيبه. سأل أحد أتباع عبيدالله الوراق عن الفرق بين ما كان يدور في باحة البلدة تلك وبين الفيس بوك وتويتر فأجاب: لِكْ على مصداقيتها إلاّ من رحم ربي. * محطة القافلة: لقد تم تجريد الواقع من قيمته، من معناه، ومن صحّته بتشكيل عالم مثالي بالأكاذيب.. (فريدريك نيتشه).
مشاركة :