رمضانيات 5 - عبد الله إبراهيم الكعيد

  • 7/31/2013
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

تنحنح عبيد الله الوراق لافتاً انتباه مريديه وتلامذته ثم فتح السِّفْر الجاثم على الحامل وقرأ: إن النزعة التقليدية "أيها القوم" تقتضي رفض العالم الحديث لقد كان ما يُسمى بالفاشيين مثلهم مثل النازيين يعشقون التقانة في حين أن ذوي النزعة التقليدية يرفضونها عامّة فهي في تصورهم نقيض القيم الروحيّة. لقد نُظِر إلى عصر الأنوار وعصر العقل باعتبارهما بداية الانحراف الحديث. وضع المُعلّم ريشة في ما بين صفحات السِفْر وأتم كلامه قائلاً إن ما سمعتموه أيها النُجباء هو كلام ورّاق من ايطاليا يقال لهُ "أُمبرتو إيكو" وهو بارع في السياسة مُجيد حافظ لتاريخ الفرنجة الحديث. وأقول هُناك من التقليديين (حسب تسميته) ونسميهم المتشددين من يرفض كل أمر حديث حتى ولو كان جاهلاً به وبمنافعه، يسمع شيوخه يطنبون في رفضه فيسارع بدورهِ لرفضه والتشنيع بهِ. يكمن العجب حينما تتكشف لهم الأمور تراهم يتراجعون عن رفضه وربما تحريمه ويقبلون بل ويُسارعون في اقتنائه ويتفننون في استعمالاته. سأحكي لكم حكاية صاحب المذياع. فقد أصاب البلاد حين من الدهر عمّ فيه الجوع والفقر فرحل كثير من القوم إلى بلاد الله الواسعة وضربوا في مناكب الأرض هرباً من الحال المتردي وسعياً لحياة لا جوع فيها ولا فاقة. وبعد سنين ودهور تبدلت حال البلاد وعمّ فيها الرخاء فعاد إليها من أهلها من عاد وكان أحدهم رجلاً شغف بمتابعة ما يدور في العالم من أحداث وأخبار فجلب معه من ضمن ما جلب مذياعاً نصبه في صحن داره وحين ترن ساعة "بق بن" ويجلجل صوت المذيع "هُنا لندن" ويبدأ في سرد موجز الأخبار يجتمع المتلصصين مصغين إلى أصوات لم يألفوها ولهجة لم يسمعوا لها مثيلاً. ذهب هؤلاء (الملاقيف) إلى كاتب الحسبة مؤكدين له أن الرجل يقوم بأعمال السحر فيستخدم الجن ويتحدث معهم. تم تأديب الرجل وجلده في الساحة العامة للبلدة أمام الملأ وجرى إحراق صندوق الجن حسب تسميتهم. بعد هذه الحادثة بسنين كان أحفاد ذلك الرجل يتندرون بالحكاية وهم يسمعون صوت "أم كلثوم" المصرية يشدو من على سطوح المنازل كل ليلة جمعة. وبالمقابل تم افتتاح محطة (الدرب المُنير) خاصة بالمواعظ والإجابة عن فتاوى المُستفتين وكان الفضل في كل هذا للرجل المجلود بلا خطيئة. صمت عبيد الله الورّاق وأجال النظر في الجمع أمامه فرأى أحدهم وقد رفع يده للسؤال فأشار لهُ بالسماح. قال اليافع: ما قولك أيها المُبجّل في من يشتم الفرنجة ليل نهار وهو يستخدم مُنتجاتهم وكل ما يرد إلينا منهم؟ ابتسم المُعلم وقال: لا تلم أخاك واحمد رباً عافاك، إنّه يعلمُ من حيث تُؤكل الكتف.

مشاركة :