ساد جوّ الحلقة الهرج واللغط وتهامس التلاميذ متسائلين عن تأخر المعلّم في بدء الدرس. البعض ظن سوءاً وقع له إذ لم يُخلف لهُ موعداً أبداً وكأنه في انضباط وقته ساعة (بق بن) على توقيت (جرينتش). أخيراً أقبل عبيدالله الورّاق وبين يديه صندوق صغير وضعه أمامه في متكئه. ترقّب التلاميذ معلمهم في بدء الكلام وبهم فضول ما برح يدفعهم لمعرفة كُنه الصندوق اللغز. أجال المُعلّم النظر في الجمع وخمّن ما يدور في رؤوسهم وأن الصنّارة قد غمزتْ. قطع عبيدالله الوراق الصمت بسيف الكلام وقال : أعرف بأن كل واحد منكم يود معرفة ما في داخل هذا الصندوق فلا تتعجلوا. يا فلان "مشيراً إلى أقرب تلميذ له" أن يقترب. فتح المُعلّم الصندوق وسمح للتلميذ رؤية ما بداخله وطلب منه أن يهمس في أذن زميله الذي يجلس بجانبه عمّا رآه وأن يهمس زميله للذي بجانبه عمّا سمعه وهكذا إلى آخر تلميذ في الحلقة. طلب عُبيدالله الورّاق من آخر تلميذ أن يقول ما الذي داخل الصندوق، فقال : في داخل الصندوق أيها المعلم المُبجّل خاتم من ذهب له رأس من زمرّدة ليست خضراء تماماً ولا زرقاء بل تميل إلى لون شجرة اللوز وقت إزهارها، وهذا الخاتم لا مثيل له إلا خاتم الوالي وقيل إنه مجلوب لحراج (ابن قاسم) من بلاد السند واشتراه شهبندر التجار ليهديه لابنته (قمر الزمان) في ليلة عرسها ولكننا لا نعرف بالتحديد كيف وصل إلى يدِ معلمنا ولا لمن سيعطيه؟ تبسّم عبيدالله الوراق مما سمع وطلب من التلميذ الأول الذي رأى مما في الصندوق أن يقول ماذا رأى؟ قال التلميذ : حلقة معدنية على شكل خاتم..! دُهش التلاميذ وعلا همسهم مُتطلعاً كل منهم للآخر وكأنهم يتبرأون مما قاله آخر تلميذ. طرق المعلم بعصاه على الصندوق آمراً الجمع بالسكوت وقال: اعلموا أيها النجباء بأن لكل واحد منكم صندوقه متى ما أحكم إغلاقه عاش بعيداً عن القيل والقال، أما في حالة فتحه للملأ سيطّلعون على ما في داخله فهو كمن يجعل نفسه هدفاً للسهام وحكاية على كل لسان.. سمعتُ أن البعض من السفهاء ينشرون أدق أسرارهم وتصاويرهم في مختلف الأوضاع على جدران "فيس بوك" وموقع السماجة "كيك" ومن ثم يطّلع عليها الخلق وعنها تُحاك الحكايات و"ثيمات" المسلسلات المكسيكية. لقد مُرغت سمعة الناس في الوحل وانتُهِكتْ خصوصيات القوم وولغ في أعراضهم السفلة والرعاع. يقول الشاعر العربي : أسيرك سرّك إن صنتَهُ وأنت أسير لهُ إن ظهرَ كما يقول أهل "سيام" : لا تنشر الأحشاء لكي لا تغتذي بها الغِربان.
مشاركة :