للمرة الثانية أتواجد في أمريكا فترة الانتخابات الرئاسية، أتابع الحياة وانتظامها في الشارع الأمريكي وعدم تأثير الانتخابات على حياة الشعب الأمريكي، في أكتوبر 2008م كنت مع عدد من السيدات السعوديات والعربيات وسط معمعة الانتخابات الرئاسية بين الرئيس باراك أوباما ومنافسه جون ماكين، عندما كان باراك أوباما هو الحلم لمعظم الأمريكيين السود، والعرب والمسلمين، لكنه تحول مع الأيام إلى كابوس ثقيل في طريقه إلى الرحيل، كنا نتابع الانتخابات في جامعة واشنطن نتعرف على كل ما يتعلق بالانتخابات ،التمويل والشفافية والحملات الانتخابية وعدد أفرادها والأخطاء والأفخاخ التي يمكن أن ينصبها الخصوم. كان كل فريق المدربين والمرافقين والمدرسين في جامعة واشنطن من حملة أوباما لذلك كانوا يتحدثون بثقة عن فوز أوباما، لكن لا أحد يجزم بالفوز، في النهاية الحسم للشعب والمجمع الانتخابي، الثلاثاء 4 نوفمبر 2008م يوم إعلان النتيجة غادرت دينفر عاصمة كلورادو باكراً إلى ولاية بعيدة عبر مطارين لاستقبال حفيدتي نبيلة يوم ولادتها مضحية بحفل إفطار في نادي السيدات في انتظار نتيجة الانتخابات ومتابعة عملية الفرز عبر شاشات تلفزيونية، هذا العام كنت في أمريكا أيضاً قبل إعلان نتيجة الانتخابات لكن بعيداً عن الجو الانتخابي وكواليسه، تابعت النتيجة خلال الفرز من خلال التلفزيون إلا أن الوعكة الصحية التي ألمَّت بي لم تمنحنى القدرة على المتابعة، وعلمت بالنتيجة في اليوم الثاني. كنت أيضاً في مصر خلال آخر انتخابات رئاسية في عهد حسني مبارك 2005م، وعانيت كغيري من توقف الحياة تقريباً في شوارعها خلال شهر أغسطس لقيام الرئيس بالمقابلات التلفزيونية والحملات الانتخابية ومن أجل انتقاله من مكان لمكان، الملصقات واللوحات الضخمة المؤيدة للرئيس لم تترك واجهة لم تغطِّها ،الجميع يؤيد الرئيس، والجميع مشغول بنجاح الرئيس رغم أن الانتخابات عملية ديمقراطية تساوي بين المرشحين، ورغم أنها التجربة الانتخابية الوحيدة بعد ثورة 23 يوليو 1952م التي سمحت بالتعددية لأن المراحل السابقة كانت تعتمد على التعيين والاستفتاء لذلك مثلت تلك الانتخابات صورة جديدة في المشهد السياسي المصري إلا أنها كانت تهريجية أكثر من كونها عملية انتخابية يمكن احتسابها مساراً ديمقراطياً سليماً وصحيحاً. لم أرغب في استعراض رحلاتي إلا أني أحببت إعطاء فكرة للقارىء عن الانتخابات الأمريكية ومهرجان الانتخابات في عالمنا العربي أو مهرجان « المهلبية « من خلال المعايشة الحقيقية، فبينما تتخذ الانتخابات الأمريكية هذه الجدية التي جعلتها محط أنظار العالم، رغم ذلك لا تؤثر على الحياة اليومية للناخب لأنه واعٍ ومدرك لقيمة صوته، وملمٌ بالتفاصيل الإجرائية للتصويت، يذهب يوم الاقتراع الى دائرته الانتخابية يقدم بطاقته الانتخابية يدلي بصوته بهدوء ويمضي، لا أحد يحاول شراء صوته أو استقطابه، بينما لا زالت الانتخابات العربية عبارة عن مهرجانات تهريجية يرقص فيها المرشح على إيقاعات الاحتياجات الإنسانية ويتحول الناخب إلى مطبل في جوقة من العميان، في أمريكا أيا كانت النتيجة يتقبلها الناخب لأنه يثق في العملية الانتخابية برمتها، وفي عالمنا العربي يمنحها الشكل التهريجي والاحتفالي زخماً فوضوياً يعبر عن الروح المحتضرة التي تكمن في الجسد الانتخابي الطائر الجريح الذي لا يرقص طرباً وإنما من شدة الألم. لا أحد يستطيع التنبؤ بفوز أحد المرشحين في الانتخابات الأمريكية إلا بعد فرز الأصوات، رغم التنبؤات واستطلاعات الرأي، لأن الحكم للشعب الأمريكي الذي أدلى بصوته، حتى المجمع الانتخابي الذي حسم الأصوات لصالح الرئيس الجديد لأمريكا دونالد ترمب يعتبر ممثلاً للشعب، فالمجمع الانتخابي عبارة عن هيئة انتخابية تضم ناخبين يمثلون « 50 « ولاية بالإضافة إلى المقاطعة الفيدرالية، أي أن كل ولاية يمثلها عدد من الناخبين يساوي عدد ممثليها في الكونجرس بمجلسيه « النواب والشيوخ « ويدلون بأصواتهم للفائز بالتصويت الشعبي للولايات التي يتبعونها، يتطلب الفوز الحصول على « 270 « صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي، حصل ترمب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة على « 279 « صوتاً وبذلك أصبح الرئيس « 45 « للولايات المتحدة الأمريكية، من 2017م- 2021م، وحسب الدستور الأمريكي يحق له الترشح لفترة ثانية وعليه خوض الانتخابات مرة أخرى مثله مثل المترشحين الآخرين لا يحظى بأي ميزة كونه الرئيس، ويمكن أن يسقطه مرشح أقوى والجميع يتقبل النتيجة بصدر رحب. في عالمنا العربي لا يتزحزح الرئيس عن الكرسي ويخسر من يتجرأ على منافسته ويترشح أمامه ليت الخسارة تقتصر على الفوز بل ربما خسر حياته أيضاً، في كل الدول العربية يحدث ما يحدث في مصر والانتخابات مجرد مهلبية لتحلية البقاء في كرسي الرئاسة مدى العمر. nabilamahjoob@yahoo.com
مشاركة :