المنتصرون أربعة: رجل زعم أنه انتصر وهو حقاً انتصر فذاك فاتح عظيم فاحترموه، ورجل لم ينتصر ولم ينهزم ويدعي أنه انتصر فذاك دجال فأهملوه، ورجل انهزم ويعترف أنه انهزم فذاك رجل يحترم نفسه فارحموه، ورجل انهزم ويزعم أنه انتصر فهو خائن فاحتقروه. هل يمكن أن تنتصر على بطل العالم في ألعاب القوى وأنت لا تدري؟ بل وأنت لم تشارك في البطولة أصلاً؟!! هل يصح عقلاً أن تنام الأمة على هزائمها المديدة والاحتلالات العديدة، ثم تصحو الفجر لتجد أن الكيان الصهيوني تبخر من الوجود، وأن أمريكا أصبحت 50 دولة يتحكم بها المكسيكيون والكوبيون، وأن روسيا تقزمت حتى أصبحت دويلة هزيلة في محيط موسكو وما جاورها، حتى لو لم يهتم الجيران بمراعاة فوارق التوقيت؟ بحسب عبد الحكيم نجل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كل هذا ممكن، بل إنه تحقق عدة مرات. فقد قال عن مدينة بورسعيد قبل أيام: إنها (واجهتْ عدوان دولتين عظميين إضافة إلى الكيان الصهيوني وانتصرت عليه في 1956، كما واجهت مصر عدواناً ثلاثياً في 2012 مكوناً من أمريكا وتركيا والإخوان، وانتصرت عليه في يونيو 2013). ووفقاً لتهريجات أبواق الحشاشين فقد أسفرت تلك الحروب التي لم تقع إلا في مخيلاتهم الواسعة عن أَسْر قائد الأسطول السادس الأمريكي!! وعن هزيمة الجيش التركي الذي تفكك وأصبح شراذم متناحرة!! ولن نستغرب إذا ادعوا إجبار أمريكا على نزع سلاحها النووي، ما داموا قبل ثلاث سنوات قد نشروا في عناوين الصحف أن قواتهم المظفرة عثرت في موقع اعتصام معارضين على الأسلحة الكيميائية التي أخفاها صدام حسين عن الأمريكان!! وإذا كان الحواة نجحوا في إقناع المجانين بخرافة اعتقال قائد الأسطول السادس، فكيف سيقنعونهم بأنهم هزموا تركيا التي دخل جيشها أراضي سوريا والعراق ومنع قيام دولة كردية، وجلس ساستها مع بوتن ومندوب خامنئي لتقاسم سوريا كغنائم على حساب شعبها؟ ولو كان ولد جمال عبد الناصر بارًّا بوالده، لما فتح سيرة الانتصارات الوهمية، لأنه ينكأ جرحاً ما زال مفتوحاً، مع أن الأجيال الحالية لم تدرك هزائمه المخزية، والكهول كادوا ينسون أكاذيبه التي لا تعرف حدوداً والكوارث التي جلبها على مصر وسائر العرب.. قال الراوي: يا سادة يا كرام كانت إذاعة صوت العرب قبيل كارثة 1967 تضحك على العرب بصاروخ الظافر وصاروخ القاهر اللذين سيرميان الكيان الصهيوني في البحر.. وكان البوق الشهير: أحمد سعيد يعد مستمعيه بحضور حفلة لأم كلثوم في تل أبيب - بعد تحريرها طبعاً!!!!-. بدأت الحرب وراح صوت العرب ينسج أكاذيب تجعل مسيلمة قزماً أمامها: أسقطنا للعدو 50 طائرة.. أسقطنا للعدو 100 طائرة.. أسقطنا للعدو 80 طائرة... وكنا - نحن المخدوعين - نصفق للبشائر!! انتهت المسرحية فإذا بطائرات ناصر وبعث سوريا تحطمت على الأرض.. وتبين أننا لم نسقط للعدو ولو ذبابة.. واحتل العدو: سيناء والضفة الغربية والجولان بلا قتال!! وانطلقت السخرية الأليمة ومنها: أقلعت عشرون من طائراتنا لدك تحصينات العدو وعاد خمسون منها إلى قواعدها سالمة!! وقام كبير الكذابين هيكل، ليكمل الخيانة، فادعى أن تلك الكوارث مجرد «نكسة» وليست هزيمة!! وكأنها نزلة برد!! ونافسه دجاجلة البعث السوري فأخبرونا بأننا انتصرنا على العدو، لأنه كان يريد إسقاط الأنظمة «التقدمية» - الخائنة في حقيقتها - وفشل في إسقاطها، وأما احتلال الأرض فليس هزيمة!! ولو رجع الأبناء إلى الصحف الناصرية قبل كارثة 1967 لاتهمونا بالحماقة لأننا كنا نصدق تلك الخرافات، عن أول سيارة مصرية تجاوزت أوروبا في قوتها ومواصفاتها، وعن سفينة فضاء مصرية يبدو أن أحد الحشاشين رآها في ذروة هذيانه، وعن صواريخ عابرة للقارات، وعن مفاعل نووي سيجعلنا قادة العالم وأقوى من أمريكا والاتحاد السوفياتي والصين الشعبية.. والناس أيضاً يهللون ويكبرون وينتشون والطاغية يستخف ويستمر في تهريجه وخداعه حتى جلب لنا العار والهزيمة المفجعة التي راح ضحيتها أكثر من 30.000 شاب مصري دُفنوا أحياء في سيناء.. وأعود لأسطورة الصاروخين الخرافيين من خلال ما رواه رئيس الأركان المصري فيما بعد الفريق سعد الدين الشاذلي رحمه الله.. قال: بعد هزيمة عام 1967 أخذ المصريون يتهامسون: أين الصاروخان: القاهر والظافر؟ ولماذا لم يستخدمهما الرئيس عبد الناصر في ضرب تل أبيب كما وعدنا؟. ولم تكن هناك إجابات عن هذه التساؤلات إلا الصمت الرهيب من السلطات المختصة جميعها. وعندما تسلمت مهام رئاسة الأركان، لم يتطوع أحد ليخبرني بشيء عنهما، ولكني تذكرتهما فجأة وأخذت أتقصى أخبارهما... لقد وجدت أن المشروع قد شُطب نهائياً، وتم توزيع الأفراد الذين يعملون فيه على وظائف الدولة المختلفة، أما القاهر والظافر فكانت عدة نسخ منهما ترقد في المخازن، وقد حضرت بنفسي بياناً عملياً لإطلاق القاهر، ووجدت أن هذا السلاح أقرب ما يكون الى منجنيق العصور الوسطى، لقد كان كبير الحجم والوزن، إذا تحرك فإن المركبة الحاملة له تسير بسرعة 8 – 10 كم /الساعة، ولا بد أن تكون الأرض صلبة وممهدة، ويُطلق بالتوجيه العام، فليس لديه وسيلة تحديد الاتجاه سوى زاوية الإطلاق، وأقصى مدى يمكن أن يصل إليه هو 8 كم!، ونسبة الخطأ 800 م.. فلو استخدمناه خلال الحرب لكان الرابح الوحيد هو العدو لأننا كنا سنقصف أنفسنا. بالطبع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية كانت تعلم الحقيقة جيداً - لذلك كانت مطمئنة -. ولا شك أنهم كانوا مسرورين من غفلة الشعب عندما كانت الصواريخ تمر في الاستعراضات أمام الرئيس، بينما يتحدث المذيع عن أن القاهر يصل مداه إلى 600 كم والظافر 350 كم!! *** صحيح أننا كنا ساذجين لكن الأكثر منا سذاجة هم الذين يعيشون اليوم، حيث تقلصت قدرة الأبواق على الكذب بحكم التقنيات المتقدمة في التصوير ونقل المعلومات، ومع ذلك يرون 100 دولة تحارب بالنيابة عن عصابات بشار الأسد، ثم يصدقون أنه انتصر على 100 دولة ضده!! علماً بأن أحدث نكتة في سوريا اليوم تصف عصابات بشار بأنها رابع جيش من حيث القوة في سوريا، بين ثلاثة جيوش أولها جيش بوتن وثانيها قطعان خامنئي والثالث فراغ!! واختتمت موسكو إذلال صبيها، بإدخال شرطة عسكرية إلى حلب بعد تدميرها وتشريد من تبقى من أهلها، وتركوا لرقاصات بشار الاحتفال ب«النصر التاريخي» ولأبواقه التباهي بوحشية الروس والإيرانيين وأذنابهم..
مشاركة :