قد تجدون أن معظم المشغولين جدا هذه الأيام هم الأشخاص الذين يُطلق عليهم بالإنجليزية (Hard to see) أي من الذين تصعب مقابلتهم. والمصطلح تعارف عليه الغربيون الذين كانوا يأتون إلى بلادنا للبحث عن شراكة تجارية إبان الفيض والتعمير والإمداد. ولاحظتُ أن موظف الدولة يجد الوقت الكافي (خارج الدوام) لكن رجل الأعمال، إن لم يكن في مكتبه عند الزيارة فهو في لندن أو باريس أو طوكيو. وأغلب أولئك بالِغوا الثراء والجاه، ويملكون من الاثنين الكثير. لا ضير في أن يمتلك المرء ثروة، كل الضير في أن تمتلك الثروة الإنسان. سمعتُ من يقول لجلاسه إنه لم يعد يرى أخاه الذي يقطن نفس المدينة.. بل نفس الحي، والسبب أن أخاه هذا مشغول بتجارته وأسفاره وعزلته وبعده وتنائيه. سمعت في قصص الأولين أن الرجل "يتغرب" أي يسافر ويترك أهله ومحبيه من أخ أو أخت وزوجة أو أبناء وأنسباء. نعم كانت تلك عادة متبعة في الجزيرة العربية.. أو ممارسة تدرب عليها الآباء وتعودوا على تعاطيها. ولم يكن الدافع كسب المزيد، بل كان يتوق فقط إلى سدّ رمق من يعول ليصونهم من العوز وينقذهم من مذلة السؤال. الاعمال أو (البزنس) كما يحلو للبعض تسميتها، أورثت في رأيي زوايا عزلة في مجتمعنا، فبعض رجال الأعمال يسافر ويعود ثم يُسافر. ما آب من سفر إلّا وأزعجه رأيٌ الى سفر بالعزْم يجمعهُ (ابن زريق البغدادي) وغير ذلك فلا هموم. فالمحامي يتولى شؤون الأسرة. وطبيب العائلة لديه السجل الوافي عن أمراض الأسرة. وسكرتارية المكتب تنظم له شؤون سفره وإقامته. وقرارات عمله في أغلبها لا تحتاج إلى فصل أو فرز معقّد كما يعملون في المركبات الكيميائية. إذاً لماذا هم معزولون.. حتى عن الصوت والحرارة. زيادة عوامل التفكك الأسري، قالت عنها دراسة أعدتها دار الخليج للدراسات والاستشارات، إنها تتكرر لدى قطاع أثرياءٍ آثروا أن يوكلوا الى العاملات المنزليات أدوارا عديدة كانت الأم والأب يقومان بها في السابق وهي رعاية الأولاد بكل جوانبها سواء الذهاب بهم للمدارس أو متابعة تحصيلهم الدراسي أو العناية بهم وما يحتاجونه من رعاية وعطف وسهر على صحتهم.
مشاركة :